الإمكان ، وما كان مانعا من الإمكان لزمه الاستغناء عن المقتضي ، فالوجود بشرط التجرد عن الماهية أولى بالمنع من الإمكان ، لأن الشيء الذي له اعتبار الإمكان إذا أخذ مع الوجود دخل في الوجوب ، فالذي لا اعتبار له إلا الوجود هو أولى بالوجوب.
والتغاير بين الوجود والوجوب اعتباري ، لما بينا من كون الوجوب والإمكان والامتناع أمورا معقولة ، تحصل في العقل من اسناد المتصورات إلى الوجود الخارجي ، وهي في أنفسها معلولات للعقل بشرط الإسناد المذكور ، وليست أمورا متحققة في الخارج بحيث يرد عليها التقسيم بأنها إما علل للأمور التي يستند إليها أو معلولات لها ، كما أن تصور زيد وإن كان معلولا لمن يتصوره ، لا يكون علة لزيد ولا معلولا له. وكون الشيء واجبا في الخارج ، هو كونه بحيث إذا عقله عاقل مسندا إلى الوجود الخارجي لزم في عقله معقول هو الوجوب. ولما كان الوجود مقولا بالتشكيك لم يجب تساوي مقتضياته ، فان المعاني المشتركة على سبيل التشكيك لا يقتضي استلزام بعضها لشيء استلزام غير ذلك البعض لذلك الشيء ، فإن نور الشمس يستلزم زوال العشي وسائر الأنوار لا تقتضيه ، لكون النور مشتركا بين نورها وسائر الأنوار بالتشكيك.
وفيه نظر ؛ فإن المشكك يوجد فيه اشتراك معنوي ، وإذا اقتضى لذاته شيئا وجب وجود ذلك الاقتضاء في جميع موارده. أما إذا اقتضى لا لذاته ، بل لأجل انضمام ما حصل فيه من الاختلاف ، لم يجب عموم الاقتضاء ، وزوال العشي لا يستند إلى النور المطلق ، بل إلى النور المستند إلى الشمس خاصة إما لشدته أو لمعنى مختص به ، حصل باعتباره مخالفته لسائر الأنوار (1).
والتحقيق في ذلك كله ، ما قلناه أولا من كون الوجوب اعتباريا.
Bogga 98