** البحث الخامس : في ماهية الزمان
اختلف الناس في ماهية الزمان (1)، فذهب جماعة من الأوائل إلى أنه لا تحقق له في الأعيان ، وإنما هو عبارة عن مقايسة بعض الحوادث ببعض ، فإذا قيل : وجد زيد منذ يومين ، كان معناه : أنه وجد بعد طلوع الشمس من مشرقها مرتين ، وإنما اعتبر ذلك دون غيره لعمومه وشهرته عند كل الناس ، وإلا فقد كان يمكن نسبة كل حادث إلى كل حادث.
وذهب آخرون منهم (2) إلى أن له ماهية وحقيقة ، واختلفوا فذهب بعضهم إلى أنه جوهر مجرد قائم بنفسه واجب الوجود لذاته ، لاستلزام فرض عدمه المحال وهو ضروري الثبوت ؛ لأنا نعلم أن زيدا الحادث الآن لم يكن موجودا زمان الطوفان ، وأنه موجود الآن ، والعلم بوجود الآن والماضي جزء (3) من العلم بأنه موجود الآن ولم (4) يكن موجودا زمن الطوفان. والعلم بالجزء سابق على العلم بالكل ، والسابق على البديهي أولى أن يكون بديهيا. وأما استلزام فرض عدمه المحال ، فلأنه لو فرض عدمه كان عدمه بعد وجوده بعدية زمانية ، فيكون موجودا حال ما فرض معدوما ، وهذا محال بالضرورة ، وكل ما استلزم عدمه المحال لذاته كان واجب الوجود لذاته ، وكل جسم وجسماني ليس واجبا لذاته ، فالزمان ليس بجسم ولا جسماني.
Bogga 329