248

الآخر ليس صادرا عن الأول ، فما يستحق أحدهما الذي هو المعلول الوجود إلا وقد حصل للآخر الذي هو العلة الوجود ووصل إليه ، وأما الآخر (1) فليس يتوسط أحدهما (2) بينه وبين ذلك الآخر في الوجود (3)، بل يصل إليه الوجود لا عنه ، وليس يصل إلى ذلك (4) إلا مارا على الآخر ، كتقدم حركة اليد على حركة الخاتم ، فإنه يصح أن يقال : لو لا حركة اليد لما تحرك الخاتم ، ولا يصح أن يقال : لو لا حركة الخاتم لما تحركت اليد ، ويصح أن يقال : تحركت يدي فتحرك الخاتم ، ولا يصح أن يقال : تحرك الخاتم فتحركت يدي.

فهذا النوع من الترتب (5) معلوم لكل عاقل ، وهو المراد بالتقدم.

قيل عليه : تقدم العلة على المعلول إما أن يكون لماهيتها ، أو لنفس العلية والمعلولية ، أو لمجموع الأمرين ، أعني : الماهية مع اعتبار العلية والمعلولية ، والأقسام الثلاثة باطلة ، فالتقدم المذكور باطل.

أما بطلان الأول ، فلأنا إذا فرضنا حركة اليد من حيث هي هي ، وحركة الخاتم من حيث هي هي ، لم يكن لإحداهما تقدم على الأخرى ولا تأخر ولا معية ، لأنا قد بينا أن كل ماهية إذا اعتبرت من حيث هي هي فهي لا متقدمة ولا متأخرة ولا مقارنة ، ولا واحدة ولا كثيرة ، لأن كل ذلك لواحق تلحق الماهية خارجة عنها.

وأما بطلان الثاني ، فلأن العلية والمعلولية وصفان اضافيان ، فيكونان معا في الوجود ، فيستحيل أن يكون لأحدهما تقدم على الآخر ، وإذا كانت الماهية من حيث هي غير متقدمة ، ولا من حيث هي علة متقدمة أيضا ، امتنع أن يكون

Bogga 254