214

أجاب المتكلمون : بأن معنى كون الله تعالى قديما ، أنا لو قدرنا أزمنة لا نهاية لها لكان الله تعالى موجودا معها بأسرها ، ولا يحتاج هذا المعنى إلى تحقق الزمان ووجوده ، بل تقدير وجوده ، لأنه لو اعتبر الزمان في ماهية القدم والحدوث لكان ذلك الزمان إما قديما أو حادثا ، فإن كان قديما ، فإن احتاج قدمه إلى زمان يصحبه ، وجب أن يكون له زمان آخر ، فللزمان زمان وهكذا إلى ما لا نهاية له. وإن لم يحتج قدم الزمان إلى اعتبار آخر (1)، لم يجب اعتبار الزمان في معنى القديم ، فيكون القدم معقولا من غير اعتبار الزمان ، وإذا عقل ذلك في موضع ، فليعقل في جميع المواضع. وإن كان ذلك الزمان حادثا ، فإن اعتبر في حدوثه الزمان تسلسل ، وهو محال. وإذا لم يعتبر الزمان في الحدوث في نفس الزمان ، فليعقل مثله في جميع المواضع. ولأن القديم يمتنع اعتبار الزمان الحادث في تحققه.

قال أفضل المحققين : «لا يجب أن يكون نقيض العدمي ثبوتيا ، بل منقسما إلى الثبوتي والعدمي. وأيضا قولنا : «كان الله تعالى موجودا في الأزل» نقيض «ما كان موجودا في الأزل» وهي قضية ، ولا يكون شيء من المعدومات موصوفا بهذه القضية. وان جعل بإزائه «ما كان معدوما ما موجودا في الأزل» حتى يصير ذلك المعدوم موصوفا بأنه لم يكن في الأزل ، لم تكن هذه القضية نقيضا للأولى ، لتخالف موضوعيهما. وإن أراد بذلك أن الكون واللاكون متناقضان ، والكون محمول على الله ، واللاكون محمول على المعدوم (2)، فيكون الكون وجوديا ، كان إيراد قضيتين بدل مفردين حشوا. وما نقله (3) عن المتكلمين غير مرضي عند الكل منهم (4)، فإن كون الشيء مع الشيء لا يتحقق إلا فيما كان في زمان أو تقدير زمان.

Bogga 219