192

وهذا الدليل ليس بشيء ، لأن المطلوب إن كان هو أن الفصل علة تامة ، لم يلزم من نفيها الاستغناء ، لجواز كونه جزء العلة ، وذلك كاف في الحاجة المشترطة في التركيب. وإن كان هو كون الفصل علة بوجه ما ، جاز أن تكون العلة هو الجنس ، ولا يلزم وجود الفصل في جميع موارده كغيره من العلل الناقصة ، بل الوجه في العلية : أنا قد بينا أن الجنس أمر مبهم في نفسه ، غير متحصل في ذاته ، وإنما يتعين ويتحصل ماهيته بالفصل ، كما قلنا في المقدار ، فإنه لا يمكن تحصل مقدار مطلق ، بل إنما يتحصل لو كان خطا أو سطحا أو جسما.

فالوجود ينال الأنواع أولا حيث تضمنت الأجناس [و] (1) الفصول ، ثم يعرض الأجناس متحققة بعدها. وإذا امتنع تحصله إلا منضما إلى الفصل كان وجوده متوقفا عليه ، فلهذا كان (2) علة ، إذ ليس معنى العلية (3) إلا توقف الوجود على الوجود. فثبت أن للفصل بالنسبة إلى الجنس خاصتين. إحداهما : تقسيم الطبيعة الجنسية. والثانية : تقويم الحصة التي للنوع منها ، أي تكون علة لوجودها (4). وله ثالثة بالنسبة إلى النوع وهي التقويم بمعنى كونه علة لحقيقته. وتقسيمه للجنس قبل تقويمه للنوع ، لأن تحصيل الجزء سابق على تحصيل الكل.

لا يقال : الناطق إن كان علة لمطلق الجنس لم يكن مقسما (5) له ، وإن كان علة للحصة المخصوصة بنوعه ، فلا بد وأن يفرض تخصيص ذلك الجنس أولا حتى يكون الفصل علة له ، لكن ذلك الجنس متى تخصص فقد دخل في الوجود ، فلا يكون الناطق علة.

Bogga 196