الجن به، وخروجه إلى الغار ليلا» . والليل أصل، ولهذا كان أوّل الشهر، وسواده يجمع ضوء البصر، ويستلذ فيه بالسمر، وكان ﷺ أكثر أسفاره ليلا، وقال:
«عليكم بالدلجة؛ فإنّ الأرض تطوى بالليل» «١»، والليل وقت الاجتهاد للعبادة، فلما كانت عبادته ليلا أكرم بالإسراء فيه، وليكون أجر المصدّق به أكثر ليدخل فيمن امن بالغيب دون من عاينه نهارا، وصحّ أنه ﷺ قال: «ينزل ربنا ﵎ كل ليلة إلى سماء الدنيا حتّى يبقى الثلث الأخير، فيقول: من يدعونى فأستجيب له؟ ومن يسألنى فأعطيه؟ ومن يستغفرنى فأغفر له؟» الحديث. وهذه الخصوصية لم تجعل للنهار، نبّه بها ﷺ لما في ذلك الوقت من الليل من سعة الرحمة ومضاعفة الأجر، ولإبطال كلام الفلاسفة: «إن الظلمة من شأنها الإهانة والشر» .
وقد ذكر ﷺ بعد عوده الأنبياء الذين راهم في بيت المقدس والسماء، وذكر الجنة والنار، وسدرة المنتهي، والأنهار الأربعة، وفرض الصلوات الخمس، وأنه رأى ربه ﷿ بعيني رأسه بلا كيف ولا أين ولا زمان.
[مسألة رؤية الله]:
ولنذكر هنا مسألة الرؤية على وجه الاختصار فنقول:
أجمع العلماء على أن رؤية الله تعالى بالأبصار يقظة في الدنيا جائزة عقلا؛ إذ كل موجود رؤيته جائزة، وليس ثمة دليل قاطع على استحالتها شرعا؛ فرؤية النبى ﷺ الله ليلة المعراج ببصره جائزة عقلا، بمعنى أن العقل إذا خلّى ونفسه لم يحكم بامتناع رؤيته تعالى بالبصر. ورؤية الله تعالى في الدنيا من خصوصياته ﷺ، مستحيلة شرعا على غيره، وإنما اختلاف الصحابة في وقوعها لا في إمكانها وجوازها، ومما يدلّ على جوازها في الدنيا، سؤال موسى ﵇ إياها، إذ لا يجوز على نبى جهل شىء مما يجوز لربه أو يمتنع
(١) رواه أبو داود، والحاكم، والبيهقى عن أنس.