واختلف جواب الأصحاب عنه أيضا فقال بعضهم ليس له أخص وصف ولا يجوز أن يكون لأنه بذاته وصفاته يتميز عن ذوات المخلوقات وصفاتها من حيث أن ذاته لا حد لها زمانا ومكانا ولا يقبل الانقسام فعلا ووهما بخلاف ذوات المخلوقات وصفاتها فإنهما غير متناهية في التعلق بالمتعلقات فلو كان الغرض أن يتحقق أخص وصف يه يقع التميز فقد وقع التميز بما ذكرنا فلا أخص سوا ما عرفنا.
وقال بعضهم له أخص وصف الإلهية لا ندركه وذلك أن كل شيئين لهما حقيقتان معقولتان فإنهما يتمايزان بأخص وصفيهما وجميع ما ذكرنا من أن لا حد ولا نهاية ولا انقسام للذات ولا تناهي للصفات كل ذلك سلوب وصفات نفي وبالنفي لا يتميز الشيء عن الشيء بل لا بد من صفة إثبات يقع بها التميز وإلا فترتفع الحقيقة رأسا.
ثم إذا أثبت أن له أخص الوصف فهل يجوز أن ندركه؟ قال إمام الحرمين لا يجوز أن ندركه أصلا وقال بعضهم يجوز أن يدرك وقال ضرار بن عمرو يدرك عند الروية بحاسة سادسة ونفس المسئلة من محارات المتكلمين وتصوير الأخص من محارات العقول.
فإن قيل إذا قدر موجودان قائمان بأنفسهما بحيث لا يكون أحدهما بحيث يكون الثاني كالعرض في الجوهر فمن الضرورة إما أن يكونا متجاورين وإما أن يكونا متباينين وعلى الوجهين جميعا يجب أن يكون كل واحد منهما بجهة من الثاني وربما عبروا عن هذا المعنى بأن قالوا الباري سبحانه لا يخلو إما أن يكون داخل العالم أو خارجا عن العالم وكما أن الدخول بالذات يقتضي مجاورة وومماسة والخروج بالذات يستدعي مباينة وجهة وربما شككوا أبلغ تشكيك على سبيل الإلزام.
فقالوا اتفقنا على أن له سبحانه ذاتا وصفات ومن المعلوم أن الصفات لا تكون كل واحدة بحيث الثانية ولا منحازة عنها بجهة فإن القائم بالغير لا يقبل التحيز رأسا بل هي كلها قائمة بذاته أي بحيث ذاته فقد تحقق التميز بين الذات والصفات وذلك راجع إلى أن الذات لها حيث حتى تكون الصفات بحيث هو والصفات لا حيث لها فلا تكون الذات بحيث هي وما قيل التحيث بالنسبة إلى الصفات فلو قدر قائم بذات آخر فمن ضرورته أن لا يكون بحيث هو حتى يتحقق فرق بين الصفات التي هي بحيث هو وبين ذلك القائم بذاته الذي ليس بحيث هو فيثبت له جهة ما ينحاز بها عنه وقد ورد السمع بأن تلك الجهة هي جهة فوق قال الله تعالى: " وهو القاهر فوق عباده " فأثبتنا الجهة عقلا وأثبتنا الفوقية سمعا واستنبطنا من النص الوارد فيه معنى وهو كون الفوق أشرف الجهات وأليق بكمال الصمدية ولهذا تعلقت القلوب بالسماء ورفعت الأيدي ودلت عليها إشارة الخرساء وإليها كان معراج سيد الأنبياء.
والجواب قلنا هذه الشبهات كلها نشأت من اشتراك في لفظ القائم بالنفس فإن عندنا يطلق هذا اللفظ في حق الباري سبحانه بمعنى أنه مستغن عن المحل والحيز جميعا ويطلق على الجوهر بمعنى أنه مستغن عن المحل فقط والمستغنى على الإطلاق في مقابلة المحتاج على الإطلاق والمستغنى عن المحل والحيز في مقابلة المحتاج إلى المحل والمحتاج إلى الحيز فلننقل العبارة إلى هذه الجهة حتى يتبين أنكم جعلتم نفس النزاع دليلا متمسكين باشتراك في العبارة دون المعنى ونقول قدرناه مستغنيا عن المحل والحيز ومحتاجا إلى الحيز فيجب أن يكونا إما متجاورين أو متباينين محال تقديره فإن التجاور والتباين من لوازم التحيز في المتحيزات فالمستغني عن التحيز كيف يكون إما متجاورا وإما متباينا هذا كمن يقول القائمان بأنفسهما إما أن يكونا مجتمعين أو مفترقين متحركين أو ساكنين قيل الاجتماع والافتراق من لوازم التحيز والتحدد ولا حيز له سبحانه ولا حد ولا اجتماع ولا افتراق بل إذا فتش على المجاورة والمباينة لم يتحقق منه إلا نفس الاجتماع والافتراق وما جاور أو باين فقد تناهى ذاتا والمتناهي إذا اختص بمقدار استدعي مخصصا.
Bogga 37