بأن قالوا الشر لا معنى له إلا عدم وجود أو عدم كمال وجود والعدم يدخل في القضاء بالعرض لا بالذات بل القصد الأول في الإبداع ان يكون وجود ثم القسمة العقلية أن يكون وجود هو خير محض أو يكون وجود لا يتحقق حصوله إلا على أن يتبعه شر أما وجود الشر المحض فهو مستحيل بل الوجود الذي أكثره شر كذلك فلا وجود وجود يتبعه شر قليل أكثر شرا من وجوده فالشر داخل في الوجود بالقصد الثاني ولا دلالة له على مدلول إذ لا حقيقة لوجوده كما بيناه.
وقد سلكت المعتزلة طريق التمانع في استحالة الإلهين كما سلكناه ولم يستمر لهم ذلك حيث جوزوا اختلافا في إرادة الباري سبحانه وإرادة العبد واختلافا في الفعل فلا تمانع.
وسلك الكعبي طريقا آخر وقال لو قدرنا قائمين بأنفسهما لا يتميز أحدهما عن الأخر بزمان أو بمكان أو حيز ولا يكون لأحدهما حقيقة خاصية يمتاز أحدهما عن الثاني بها فهو مستحيل عقلا والخصم ريما يقول هذا هو نفس النزاع عبرت عنه تعبيرا وصيرته دليلا فإن جماعة من العقلاء صاروا إلى إثبات جواهر عقلية من عقول مجردة ونفوس مجردة قديمات قائمات بأنفسها ويمتاز بعضها عن بعض بخواص وحقائق ولم تمنع العقول ثبوتها ومن أراد أن يسلك هذه الطريقة فلا بد أن يزيد فيها شروطا حتى يتحقق الاستحالة وتتضح للعقل والله أعلم.
القاعدة الرابعة
في إبطال التشبيه
وفيها الرد على أصحاب الصور وأصحاب الجهة والكرامية في قولهم إن الرب تعالى محل للحوادث.
فمذهب أهل الحق أن الله سبحانه لا يشبه شيئا من المخلوقات ولا يشبهه شيء منها بوجه من وجوه المشابهة والمماثلة " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " فليس الباري سبحانه بجوهر ولا جسم ولا عرض ولا في مكان ولا في زمان ولا قابل للأعراض ولا محل للحوادث.
وسارت الغالبة من الشيعة إلى نوعي تشبيه أحدهما تشبيه الخالق بالخلق فقالت المغيرية والبيانية والهاشمية ومن تابعهم إنه الإله ذو صورة مثل صور الإنسان ونسج على منوالهم جماعة من مشبهة الصفاتية متمسكين بقوله صلى الله عليه وسلم " خلق الله آدم على صورة الرحمن " وفي رواية على صورته والنوع الثاني تشبيه المخلوق بالخالق.
فقالت هؤلاء من الغالبة وجماعة أخرى أن شخصا من الأشخاص إله أو فيه جزء من الإله والإله سبحانه وتعالى عن قولهم متشخص به نسجا على منوال النصارى والحلولية في كل أمة ومن الكرامية من صار إلى أنه جوهر وجسم.
وأطبقوا على أنه بجهة فوق وأنه محل الحوادث قالوا إذا خلق الله سبحانه جوهرا أحدث في ذاته إرادة حدوثه وربما احترزوا عن لفظ أحدث فقالوا حدثت له إرادة حدوثه وكاف ونون وإذا كان المحدث مسموعا حدث له تسمع وإذا كان مبصرا حدث له تبصر فتحدث له خمس من الصفات الحادثة بكل محدث أحدثه وربما احترزوا عن إطلاق لفظ الحلول والمحل وإن أطلقوا الاتصاف بالحادث وفرقوا بين المشيئة والإرادة فقالوا مشيئة قديمة وإرادة حادثة ولذلك فرقوا بين التكوين والمكون والأحداث والمحدث والخلق والمخلوق فالخلق حادث في ذاته والمخلوق مباين وكذلك التكوين عبارة عن قوله كن والقول قائم بذاته والمكون مباين وكذلك كلامه تعالى صفات تحدث له وهي عبارات منتظمة من حروف وأصوات عند بعضهم وعند بعضهم من حروف مجردة فهو حادث ليس بقديم ولا محدث وأحالوا فناء ما حدث من الصفات في ذاته ولم يطلقوا لفظ التقدم والتأخر على الحروف والكلمات واجتهد محمد بن الهيصم منهم في كل مسئلة من مسائل التشبيه حتى رد الخلاف فيها إلى ما يسوغ أن يذكر ولا يسفه غير مسئلة الحوادث فإنه تركها على التكال الأول بعلم صاحبه أبي عبد الله الكرام.
لنا دليل شامل يعم إبطال مذاهب المشبهة جملة وعلى كل فرقة ممن عددناهم حجة خاصة ونقض على الانفراد فنبتدي بالأعم.
Bogga 35