قال بل هي معلومة بالدليل والتقسيم الذي أرشدنا إليه كما بينا فإن لم تتيسر لي عبارة عنها باسم خاص لم يضر ذلك ألسنا أثبتنا وجوها واعتبارات عقلية للفعل الواحد وأضفنا كل وجه إلى صفة أثرت فيه مثل الوقوع فإنه من آثار القدرة والتخصيص ببعض الجائزات فإنه من آثار الإرادة والأحكام فإنه من دلائل العلم وعند الخصم كون الفعل واجبا أو ندبا أو حلالا أو حراما أو حسنا أو قبيحا صفات زائدة على وجوده بعضها ذاتية للفعل وبعضها من آثار الإرادة وكذلك الصفات التابعة للحدوث مثل كون الجوهر متحيزا وقابلا للعرض فإذا جاز عنده إثبات صفات هي أحوال واعتبارات زائدة على الوجود لا تعلق بها القادرية وهي معقولة ومفهومة فكيف يستبعد مني إثبات أثر للقدرة الحادثة معقولا ومفهوما ومن أراد تعيين ذلك الوجه الذي سماه حالا فطريقه أن يجعل حركة مثلا اسم جنس يشمل أنواعا وأصنافا أو اسم نوع يتمايز بالعوارض واللوازم فإن الحركات تنقسم إلى أقسام فمنها ما هو كتابة ومنها ما هو قول ومنها ما هو صناعة باليد وينقسم كل قسم إلى أصناف فكون حركة اليد كتابة وكونها صناعة متمايزان وهذا التمايز راجع إلى حال في إحدى الحركتين تتميز بها عن الثانية مع اشتراكهما في كونهما حركة وكذلك الحركة الضرورية والحركة الاختيارية فتضاف تلك الحالة إلى العبد كسبا وفعلا ويشتق له منها اسم خاص مثل قام وقعد وقائم وقاعد وكتب وقال وكاتب وقائل ثم إذا اتصل به أمر ووقع على وفاق الأمر سمي عبادة وطاعة فإذا اتصل به نهي ووقع على خلاف الأمر سمي جريمة ومعصية ويكون ذلك الوجه هو المكلف به وهو المقابل بالثواب أو العقاب كما قال الخصم إن الفعل يقابل بالثواب أو العقاب لا من حيث أنه موجود بل من حيث أنه حسن أو قبيح والقبح والحسن حالتان زائدتان على كونه فعلا وكونه موجودا وهو أبعد من العدل والقاضي أقرب إلى العدل فإنه أضاف إلى العبد ما لم يقابل بثواب أو عقاب وقابل بالثواب والعقاب ما لم يكن من آثار قدرته والقاضي عين الجهة التي هي عنده لم تقابل بالجزاء فأثبتها فعلا للرب وعين الجهة التي هي فعل العبد وكسبه فقابلها بالجزاء وذلك هو العدل.
ومما يوضح طريقة القاضي ويبين أنه ما خالف الأصحاب تلك المخالفة البعيدة أن الفعل ذو جهات عقلية واعتبارات ذهنبة عامة وخاصة كالوجود والحدوث والعرضية واللونية وكونه حركة أو سكونا وكون الحركة كتابة أو قولا وليس الفعل بذاته شيئا من هذه الوجوه بل هي كلها مستفادة له من الفاعل والذي له بذاته هو الإمكان فقط وأما وجوده فمستفاد من موجده على الوجه الذي هو به وهو أعم الوجوه وأما كونه كتابة أو قولا فمستفاد من كاتبه أو قائله وهو أخص الوجوه فيتميز الوجهان تميزا عقليا لا حسيا وتغاير المتعلقان تغايرا سمي أحدهما إيجادا وإبداعا وهو نسبة أعم الوجوه إلى صفة لها عموم التعلق وسمي الثاني كسبا وفعلا وهو نسبة أخص الوجوه إلى صفة لها خصوص التعلق فهو من حيث وجوده يحتاج إلى موجد ومن حيث الكتابة والقول يحتاج إلى كاتب وقائل والموجد لا تتغير ذاته أو صفته لوجود الموجد ويشترط كونه عالما بجميع جهات الفعل والمكتسب تتغير ذاته وصفته لحصول الكسب ولا يشترط كونه عالما بجميع جهات الفعل.
Bogga 26