إن الكثير من مذكرات نيوتن الأولى تظهر مناهضة عفوية للمذهب الكاثوليكي كانت لتلقى قبولا اجتماعيا لدى طلاب كامبريدج. ولكن إذا كان ذلك مقبولا، فإن تقليل نيوتن من شأن المسيح فيما يتعلق بالله لم يكن مقبولا. ففي مرحلة مبكرة، آمن نيوتن بأن هناك أدلة إنجيلية وافرة على أن المسيح كان مختلفا عن الرب وأدنى منه، بينما النصوص المؤيدة لعقيدة الثالوث القدوس كانت عبارة عن إقحامات فاسدة أو قراءات خاطئة «متعمدة». وفي مواضع كثيرة من الإنجيل، اعترف المسيح، الذي هو الكلمة التي خلقها الله، بأنه مخلوق أدنى من الله. وإذا كان لدى المسيح قدرات إلهية - وهو ما كان نيوتن يعتقده - فإن ذلك يرجع إلى أن الله قد سمح لذلك بأن يحدث. فقد أذن الله لابنه أن يذل نفسه على الصليب، وهذا بالفعل ما جعله جديرا بأن يعبد، ولكن ليس كإله. وقد أصبح المسيح ابن الله حين أصبحت الكلمة قطعة لحم في أحشاء مريم العذراء؛ وكان هذا المخلوق وحده، وليس الروح البشرية التي تواجدت مع الكلمة الإلهية، هو الذي عانى على الصليب. وأخيرا، كانت مشيئة الله هي ما جعلت المسيح يبعث من جديد.
لا يوجد سوى عاهرة بابل واحدة فقط
كانت عقيدة الثالوث القدوس - في رأي نيوتن - مبهمة وزائفة، وكان الدفاع عنها من خلال حجج وبراهين ميتافيزيقية غامضة، وكانت تفرض على الوثنيين إما بالقوة أو بمزجها بممارسات وثنية لتخفيفها. وقد أعطى أهمية بالغة لبساطة العقائد الأساسية للمسيحية، وشدد على أن عددا محدودا للغاية من المعتقدات عن المسيح - والتي أسماها بولس لبن الرضع - هو اللازم للتحلي بإيمان ينجي من المهالك. وشملت هذه المعتقدات أن يسوع هو المسيح المتنبأ به في العهد القديم، وأنه ابن الرب الذي بعث من جديد بعد أن أذل نفسه على الصليب أمام أبيه، وأنه يوما ما سيعود ليحكم «الأحياء والموتى المبعوثين للحياة». على الرغم من ذلك، كانت هناك حقائق أعمق في الكتاب المقدس، أو ما يسمى «لحم للرجال»، يكتسبه من هم «في سن النضج» بعد تعميدهم وإشراكهم في طائفة. وقد كانت هذه المعرفة، التي تكتسب من خلال الدراسة الممتدة، من الأشياء التي لم تكن ضرورية للعقيدة المسيحية، ولم يكن المسيحيون ليتورطوا في نزاعات بشأنها خشية أن تقودهم إلى الانقسام والشقاق.
كان أهم مبحث دراسي هو النبوءة، خاصة في سفر رؤية يوحنا، آخر أسفار العهد الجديد. كان نيوتن متفقا مع الكثير من أهم المفسرين البروتستانتيين في القرن السابع عشر حول الأساليب الجوهرية المطلوبة لفهم سفر الرؤيا. فكان يؤمن مثلهم بأن الرموز الواردة به تشير إلى معركة بين الخير والشر اندلعت في نهاية القرن الرابع ، فيما أشارت الرموز والتوصيفات الأساسية إلى فترات محددة حين كانت الكنيسة الحقيقية مضطهدة، وكان أعداء الحقيقة يتحكمون في الصالحين أو يغلبون من جانبهم. والحق أن مناهج بعينها كانت معيارية للغاية لدرجة أنه كان يؤمن بأنه يبني على «اكتشافاتها» الأساسية؛ كما في حالة أعمال سلفه في كامبريدج، المدعو جوزيف ميد. وبالعمل وفقا لطريقته، استطاع نيوتن بوضوح أن يناقش القضايا التقنية النبوئية مع واحد على الأقل من معاصريه (هو هنري مور) دون الإفصاح عما يعنيه ذلك بشأن تاريخ المسيحية.
وفي شرح ضخم لسفر الرؤيا يرجع على نحو شبه مؤكد للفترة بين 1675 و1685، قدم نيوتن «براهين» تثبت آراءه مثلما فعل في كتابه «المبادئ الرياضية». فبدأ بادعاء أنه «بفضل الرب» حصد معرفة في الكتابات النبوئية، وأنه مع قرب الإفصاح عنها، صار عليه التزام أخلاقي بتدريس معناها من أجل تنوير وتثقيف الكنيسة. ولم يشمل ذلك كل المسيحيين، وإنما:
بقايا أشخاص قليلين متناثرين ممن اختارهم الرب، كهؤلاء الذين يستطيعون تكريس أنفسهم بإخلاص وجدية للبحث عن الحقيقة، دون أن تقودهم المصلحة، أو الثقافة، أو رموز السلطة البشرية بلا تفكير.
إن البحث في الكتاب المقدس الآن هو «واجب اللحظة الكبرى»، والإخفاق في إدراك علامات المجيء الثاني للمسيح على نحو صحيح سوف يترك المسيحيين عرضة لنفس القدر من النقد الذي تعرض له اليهود لإخفاقهم في إدراك أن يسوع هو مسيحهم المنتظر. وقد كانت تلك مهمة لا يمكن لأحد الاضطلاع بها إلا أنقياء القلب، وقليلون هم المهيئون لهذا. وعلق نيوتن أن المؤمن الحقيقي يعرف أيضا بأنه يبدو جديرا بالازدراء، بينما كانت «توبيخات العالم» هي علامة الكنيسة الحقيقية.
كان من العناصر الأساسية لعملية تفسير الكتاب المقدس «الترتيب المنهجي» للنبوءة وفقا لمجموعة من القواعد. وقد كان العديد من هذه القواعد عناصر قياسية في التفسير الإنجيلي البروتستانتي، مثل الحاجة للإصرار على معنى واحد فقط لنقطة معينة في الكتاب المقدس ما لم تتواجد أسباب لفعل العكس، وهو ما رجح أن المعنى سيكون «حرفيا» في الأساس، ولكن من حين لآخر كان من الممكن إجازة معنى «روحي ». وبالنسبة لهذا المعنى الروحي، كان لزاما أن يتم هذا وفقا لتقاليد «لغة مجازية» نبوئية كان المفسرون القدماء يتقيدون بها. فقد كان التحول إلى قراءة روحية لفقرة ما دون أساس ضربا من الضلال، وهذا التساهل في التفسير هو منشأ كل بدعة موجودة حسب رأي نيوتن. كان لزاما أن تكون التفسيرات «تلقائية»، وكانت لا بد أن تجعل الكتاب المقدس على أكبر قدر من «البساطة». والأهم من كل ذلك أنه كان ينبغي أن تكون الرؤى والرموز النبوئية متجانسة إحداها مع الأخرى وفقا لتلك القواعد قبل تطبيقها على الأحداث التاريخية. لقد كان من الصعب فهم سفر الرؤيا، ولكن بحل شفراته بالشكل الملائم، أصبح ذا أهمية بالغة للكنيسة الحقيقية. فلم يكن بالإمكان إثبات الدين الحقيقي كما يثبت برهان في الهندسة الإقليدية، ولم يكن ليقنع سوى حفنة من الناس؛ ولكن هذا ما كان يجب أن يكون عليه الأمر. وخلص نيوتن إلى أنه يكفي «أنه قادر على حشد قبول هؤلاء الذين اختارهم الرب».
ووفقا لخطته، دون نيوتن قائمة مطولة «للتعريفات» النبوئية والتي اعتمدت على عدد من المصادر المختلفة. ووفقا للأسلوب النبوئي، كانت الشمس تشير إلى ملك، والقمر إلى من يليه في السلطة، والنجوم إلى كبار رجال المملكة. أما الأرض، فكانت تشير إلى أمم الأرض، أو عامة الناس في أية أمة، فيما كان البحر يشير أيضا إلى شعب أو أمم؛ وكانت الأرض والبحر معا يشيران إلى نوعين مختلفين من الناس. وفي بعض الأحيان، كان من الممكن أن تعني الكلمات أكثر من شيء واحد، ومن ثم كان من الممكن أن تشير كلمة جبل إلى مدينة أو معبد، حسب السياق الواردة فيه.
بعد تدوين التعريفات، بين نيوتن بعد ذلك كيفية ارتباط رؤى معينة إحداها بالأخرى. ففيما كانت بعض الرموز في سفر الرؤيا «متعاقبة»، بمعنى أنها تشير إلى أحداث لاحقة أو سابقة، اعتبرت الأخرى «متزامنة»، أي تشير إلى جوانب مختلفة للفترة نفسها. ولكن كما رأينا، فقد كان من الممكن عرض الصلات القائمة بينها قبل ربطها بأحداث معينة. ولفت نيوتن إلى أن جميع المفسرين تقريبا قد أدركوا أن رؤية الأختام السبعة بالسفر، والتي تراءت ليوحنا في بداية النبوءة، كانت تشير إلى أحداث متعاقبة. فقد أشارت الأختام الستة الأولى لفترة سبقت سيطرة الردة الكبرى. ففي الختم الخامس - على سبيل المثال - جسدت التوصيفات الخاصة بامرأة في المخاض وتنين أحمر مستبد (الشيطان) يستعد لالتهام الطفل، المصير المتوقع للكنيسة الحقيقية (المرأة)، والخطر العظيم الذي واجه سلالتها («الطفل الرجل»).
Bog aan la aqoon