شكل 3-2: فكرتان لماكينات ذات حركة مستديمة تعمل عن طريق موجات الجاذبية من مفكرة نيوتن «الأسئلة الفلسفية» بكلية ترينيتي.
عن العقل والجسد
تتعلق الكثير من الفقرات في مفكرة «الأسئلة الفلسفية» بطبيعة الروح وموقعها بالتحديد، والأدوار التي لعبها كل من العقل الداخلي الذاتي والأجسام الخارجية في التجربة. وكان نيوتن منبهرا منذ البداية بما نطلق عليه إشكالية العقل والجسد، وأيضا بحقيقة أن الناس على اختلافهم لهم ردود أفعال متباينة تجاه نفس القضية. وتحت عنوان «عن التجانس أو النفور» كتب يقول:
إن ما يبدو مذاقه حلوا في فم شخص قد يكون مرا في فم شخص آخر. ونفس الأشياء التي تبعث رائحة محببة لشخص قد تبعث رائحة منفرة لآخر ... والمشاهد التي لا تحرك البعض تذهل البعض الآخر، والألحان الموسيقية لا يسمعها الجميع بنفس البهجة. والأمر نفسه ينطبق على اللمس.
وفي قسم آخر بعنوان «عن الإحساس» (في ملاحظات مأخوذة من كتاب مور «خلود الروح»)، علق قائلا إن «مذاق الفلفل الحار لأهل جاوة بارد».
وفي نفس سلسلة الملاحظات، علق نيوتن أيضا على المواقع المختلفة من المخ والتي استند إليها الفلاسفة باعتبارها موضع الروح . وقد سجل ظواهر عديدة تثبت أن المخ يمكن أن يلحق به ضرر بالغ دون أن يؤثر ذلك على الإحساس. إن الضفدع يسلب منه «الإحساس والحركة» لو أن مخه قد تعرض للثقب، ولكن الإنسان يحتفظ بقدرته على استخدام حواسه ما لم يصل الثقب إلى الأوعية الدموية الرئيسية. ولا يستطيع الإنسان - حسبما يبدو - أن يرى من خلال الثقب الذي يحدثه منشار جماجم (أو مثقاب) في رأسه، ولكن «أقل ثقل على مخ الإنسان حين يكون مثقوبا يجعله مجردا تماما من الإحساس والحركة».
كان أحد العناصر الأساسية لبرنامج أبحاثه المبكر يتعلق بطبيعة حرية الإرادة، والإشكالية المرتبطة بها والخاصة بكيفية ارتباط الروح ببقية الجسد. فبعض الحركات الجسدية لا إرادية. وتحت عنوان «عن الحركة»، دون نيوتن أن الكثير من الحركات البشرية ميكانيكية على نحو بحت: فالموسيقيون يستطيعون العزف دون تفكير، والمطربون يغنون «دون إلقاء بال لأي نغمة أو إغفالها»، والناس يسيرون دون إدراك منهم لكيفية فعل ذلك. وكان التقيؤ الذي يستحث عن طريق دفع عظمة فك الحوت في حلق المرء مثالا آخر للحركة الميكانيكية البحتة، وقد أثبت ذلك بوضوح أن حركات الحيوانات «ميكانيكية ومستقلة عن الروح».
على الرغم من ذلك، فقد تضمن وصف نيوتن للروح تفنيدا عنيفا لأي تفسير ميكانيكي بحت لسلوكياتها. فشأنه شأن معظم معاصريه، لم يشأ نيوتن أن يوصم بالسمعة الإلحادية التي تلاحق الفلاسفة الميكانيكيين أمثال ديكارت وتوماس هوبز. وفي ظل ارتباط ملكة الروح بالهوية الشخصية، جاءت الذاكرة لتقدم دليلا مهما ذا صلة بمنابع سلوكيات الإنسان. إن تلقي الرأس ضربات يمكن أن يؤدي بالذاكرة للتلاشي التام، فيما يمكن إعادة تنشيطها عن طريق أحداث مماثلة تحدث بعد ذلك بوقت طويل. وفي فقرة بعنوان «عن الروح»، ذهب نيوتن إلى أن الذاكرة تتألف مما هو أكثر من حركة «المادة المعدلة»، وأنه لا بد أن بداخلنا «أساسا» يمكننا من استدعاء شيء ما للذهن بمجرد توقف الحدث الأصلي. وتلك الرؤية كانت واحدة من النقاط الحيوية لفلسفة نيوتن الطبيعية فيما بعد.
وفي مقال استثنائي قصير آخر بعنوان «عن الخلق»، ناقش نيوتن «أرواح» الحيوانات التي كان معظم فلاسفة عصره يعتقدون أنها ذات طبيعة منفصلة تماما عن طبيعة أرواح البشر. وقد أشار نيوتن إلى وجود نوع من «الروح اللاعقلانية» البدائية التي حين اتصلت بأنواع مختلفة من أجسام الحيوانات، تسببت في وجود الحيوانات الضارية المتنوعة الموجودة الآن. وبطريقة الاختزال (نظرا للطبيعة الجريئة لحجته)، أشار نيوتن إلى أن القول بأن الله في الأصل قد خلق أرواحا معينة لفصائل معينة هو تأكيد لفكرة أنه (الله) قد بذل جهدا أكثر مما كان يحتاج. فالاختلافات والفوارق بين الفصائل نبعت من فطراتها، التي اعتمدت على تكوين أجسامها. وعلى نحو أكثر تطرفا، ذهب نيوتن إلى أن الأرواح البشرية كانت متشابهة في الأساس، وأن الاختلافات بين البشر نبعت فقط من فوارق في تكوينهم الجسماني. وفي فقرة أخرى مستقلة ومقتضبة عن الله، أشار إلى أنه ليس من الممكن أن يكون البشر ولا الحيوانات نتاج «اختلاطات وليدة الصدفة بين الذرات». فبذلك كان هناك العديد من الأجزاء غير النافعة، «فتجد هنا قطعة لحم، وتجد هناك عددا مفرطا من عضو ما، وربما كان لبعض الحيوانات عين واحدة فقط، وللبعض الآخر أكثر من عينين».
بدأت المحاولة الأكثر روعة للتمييز بين أعمال الروح والجسد بسلسلة من الملاحظات عن طبيعة «الخيال» والإبداع. فالخيال هو ملكة للروح أنتجت خيالات وصورا كتلك الموجودة في الأحلام والذاكرة. وذهب نيوتن إلى أن الخيال يتقد في أذهاننا عندما نرى الأشياء ونحن «في حالة من الانتباه الشديد»، وذلك في بيئة يتوافر فيها «الهواء الطيب، والإمساك عن تناول الطعام، والاعتدال في الشراب». غير أنه يتهدم ب «السكر، والنهم، وكثرة الدراسة (فمن تلك الأمور ومن الشغف المفرط يأتي الجنون)، واضطرابات الروح». وحذر نيوتن من أن «التأمل» يثير المخ لدى البعض لدرجة تقودهم إلى «التشتت»، فيما يؤدي لدى البعض الآخر إلى «ألم ودوار». ومن الممكن تدريب المخ على التخيل للقيام بأشياء جديدة، وأشار نيوتن إلى قصة مشهورة من كتاب جوزيف جلانفيل «غرور الدوجماتية» (1661) لطالب بأكسفورد تعلم التحكم في العقل من الغجر «بتنمية وتقوية خياله».
Bog aan la aqoon