أفكار صغيرة دقيقة لم يكن يستطيع أن يقبض على إحداها بمفرده، ولكنها كانت لا تكف عن مهاجمته ووخز جنبات عقله وخزا رفيعا حادا لا يدمي، ولكنه يوجع ويؤلم.
ربما لهذا السبب أقدم على هذا القول الذي بدا في الحقيقة سخيفا لا معنى له ... طرأ له أن يقول للمرأة إنه لم يكن معها ولكنه كان مع زوجته. وأول الأمر استنكر الأمر بشدة، ولكن عدم المبالاة كان قد استولى عليه وأصبح يحس أن باستطاعته أن يتصرف معها بمطلق حريته. يقول لها كل ما يطرأ له، ويفعل كل ما يريد فعله، ثم إنه لن يراها بعد الآن وهي أيضا لن تراه، هذا آخر لقاء يتم بينهما في الحياة، فلماذا لا يقول لها الحقيقة؟ وماذا يهمه لو غضبت وبكت ما دام ما يقوله صحيحا، وما دام حقيقيا، وما دام سيريح به ضميره؟
وهم أن يقول لها هذا، ولكن يبدو أن الجرأة قد خانته في آخر لحظة ... فقد خرجت كلمات أخرى من فمه. طلب منها أن تعطيه رقم تليفونها، ووعدها بأن يتصل بها في المساء، وطبعا لم تكن لديه أية نية للاتصال بها.
وكانت عيناه مغمضتين وهي تمليه، ولكنها بعد أن انتهت ولم تحدث حركة في الحجرة تنبئ عن خروجه ولا بدرت منه كلمة وداع، فتحت عينيها، ولما رأته واقفا تلك الوقفة الغريبة ابتسمت له نفس ابتسامتها الممدودة.
وأحس أنها محرجة هي الأخرى أن تسأله عن الداعي لبقائه، وكل شيء يهيب به أن يذهب.
وما إن لمح ابتسامتها الممدودة حتى زايله التردد، وبدأ يستجمع نفسه ليقول لها الحقيقة.
غير أنه فوجئ بابتسامتها تتسع وتتسع حتى تغمر وجهها كله، ثم تنقلب إلى ضحكة بدت غريبة باردة في تلك الساعة المبكرة من الصباح، وبعد ليلة حافلة كتلك، وعلى هذا بدلا من أن يقول لها ذلك الشيء سألها عما يدفعها إلى الضحك، فقالت وقد عادت إلى إغلاق عينيها: إنه لأمر مخجل. - قوليه. - مخجل جدا.
كان يقول هذا بلهجة الآمر، ولكنه خاف أن تستنكر لهجته فلا تجيبه.
فعاد يقول: أرجوك، أعتقد أنه لم يعد بيننا ثمة مجال للخجل، قوليه.
ولم تجب.
Bog aan la aqoon