العلم، ومنها خرج إلى العراق، ولم يكن العراق في طريقهم، فاقتصروا على الأخذ عن علماء المدينة، وشيخهم يومئذ وإمامهم مالك وشيوخه [من قبله وتلميذه من بعده. فرجع إليه أهل المغرب والأندلس] وقلدوه دون غيره ممن لم تصل إليهم طريقته.
وأيضًا فالبداوة كانت غالبة على أهل المغرب والأندلس ولم يكونوا يعانون من الحضارة التي لأهل العراق فكانوا إلى أهل الحجاز أميل لمناسبة البداوة، ولهذا لم يزل المذهب المالكي غَضًّا عندهم، ولم يأخذه تنقيح الحضارة وتهذيبها كما وقع في غيره من المذاهب» (١) انتهى.
قلنا: وتقدم في الكلام على الحنفي شيء عن سبب انقطاعه بالأندلس وغلبة المالكي فيما رواه المقدسي.
فِي المَغْرِبِ الأَقْصَى:
ولما قامت دولة بني تاشفين بالمغرب الأقصى في القرن الخامس، واستولوا على الأندلس، وتولى ثانيهم أمير المسلمين على بن يوسف بن تاشفين اشتد إيثاره لأهل الفقه والدين. فكان لا يقطع أمرًا في جميع مملكته دون مشاورة الفقهاء، وألزم القضاة بألا يَبَتُّوا حكومة في صغير الأمور وكبيرها إلا بمحضر أربعة من الفقهاء، فعظم أمر الفقهاء. ولم يكن يقرب منه، ويحظى عنده إلا من علم مذهب مالك، فنفقت في زمنه كتب المذهب، وعمل بمقتضاها وَنُبِذَ ما سواها. وكثر ذلك حتى نُسِيَ
_________
(١) عن " مقدمة ابن خلدون ".
1 / 67