ثم فشا فيها بعد ذلك مدة تمكن العباسيين، إلا أن القضاء بها لم يكن مقصورًا على الحنفية، بل كان يتولاه الحنفيون تارة، والمالكيون أو الشافعيون أخرى.
إلى أن استولى عليها الفاطميون، وأظهروا مذهب الشيعة الإسماعيلية، وولوا القضاة منهم، فقوي هذا المذهب بالدولة، وعمل بأحكامه - إلا أنه لم يقض على المذاهب السنية في العبادات، لأنهم كانوا يبيحون للرعية التعبد بما يشاؤون من المذاهب.
وقال القلقشندي في " صبح الأعشى ": «كانوا يتألفون أهل السنة والجماعة، ويكنونهم من إظهار شعائرهم على اختلاف مذاهبهم، ولا يمنعونهم من إقامة صلاة التراويح في الجوامع والمساجد (١) على مخالفة معتقدهم في ذلك، ومذاهب مالك والشافعي وأحمد ظاهرة الشعار في مملكتهم بخلاف مذهب أبي حنيفة، ويراعون مذهب الإمام مالك، ومن سألهم الحكم به أجابوه» انتهى.
قلنا: بل أقام وزيرهم أبو علي أحمد بن الأفضل ابن أمير الجيوش قضاة من المالكية والشافعية، لما حجر على الخليفة الحافظ لدين الله وسجنه، فإنه أعلن مذهب الإمامية وأقام أربعة قضاة: اثنين شيعيين أحدهما إمامي والآخر إسماعيلي. واثنين سُنِّيَيْنِ أحدهما مالكي والآخر
_________
(١) وقع أن بعض خلفائهم كانوا يمنعون الناس من صلاة التراويح، وعاقب أحدهم شخصًا وجد عنده " الموطأ ". فمراد القلقشندي: ما كان متبعًا عندهم في الغالب.
1 / 56