أقاليم وذكر غيره أيضًا في هذه الأقاليم، ولكن أحدهما يكون كثيرًا في هذا الإقليم، والآخر قليل فيه.
الأمر الثالث - الذي يلاحظ في هذا الكتاب المفيد القيم كثرة نُقُولِهِ، وذلك في فضل التثبت عند الكاتب الجليل، وهو يتكلم في حكاية نقول فكان لا بد أن يكون ذكرها بالنص مقصودًا، ليأخذ بيد القارئ، ويكون على مقربة من المصادر الإسلامية، ولكي يتأكد من صدق الحكاية، وسلامة النقل، ولكي ينقل علم الأسلاف إلينا ليخاطبوا خيالنا، وفي كلام الكثيرين منهم مَشْرِقَ الحِكْمَةِ.
١٦ - وأن عبقرية التصنيف التي اتسم بها الكُتَّابُ السلفيون هي هذا النوع من التأليف المحكم، إذ يصفون النقول القديمة متناسقة يأخذ بَعْضُهَا بِحُجَزِ بَعْضٍ بحيث لا تجد تنافرًا في أجزائها، ولا تضاربًا في معانيها. ولا تجد كلمة تكون نائية عن الأخرى غير مؤتلفة معها، ولا ناشزة عنها، بل هي [هي] (١) في طوعها وانقيادها وسلاستها.
وليس ذلك هَيِّنًا لَيِّنًا، إنما هو صنيع لا تقوم به إلا يد ماهرة، ومثله مثل عالم الآثار الذي يجيء إلى الجدار المتناثر في بقعة الآثار، وكأنه حجارة منثورة، فيجيء إليها ويجمع متناثره، ويؤلف بينه ويجعل منه إناء يمثل أواني عصره، وقد جمعه من قطع غير متآلفة فجعلها متألفة.
_________
(١) زيادة لا يستقيم المعنى إلا بها. اهـ. الناشر.
1 / 44