Nazariyat Macrifa
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
Noocyada
ويمتاز شوبنهور على كانت - من هذه الناحية - بأنه يعترف صراحة بعجزه عن التمييز بين الحلم والواقع من خلال فلسفته الخاصة، ففي الصفحات الأولى من المجلد الثاني من كتابه الرئيسي «العالم إرادة وتمثلا»، يقول: «هكذا ينبغي أن نعترف بأن العالم - في واحد من أوجهه على الأقل - مشابه للحلم، بل يمكن أن يدرج مع الحلم في فئة واحدة؛ ذلك لأن فاعلية المخ التي تخلق خلال النوم، عالما تام الموضوعية مدركا بل ملموسا، لا بد أن يكون لها دور مماثل في تشكيل عالم اليقظة الموضوعي.»
11
وهنا تصل حجة الأحلام إلى قمة فعاليتها؛ إذ تثير هذا السؤال الخطير: أليس من الجائز أن تكون حياتنا بأسرها حلما متصلا؟ والأهم من ذلك أن السؤال لا يثار - في هذه المرحلة - على مستوى الشك المؤقت أو المنهجي، بل يثار بوصفه احتمالا جديا لا يستطيع المثالي بوسائله الخاصة أن يستبعده تماما، وإذ تتخذ الحجة هذا الوجه الهام فإنها تغدو أيضا أداة في يد المثالي لها خطرها الكبير عليه؛ إذ إن إخفاقه في التمييز بين الحلم والواقع هو في الوقت ذاته حكم على مذهبه كله بالإخفاق.
ونستطيع أن نقول: إن هذه النتيجة لحجة الأحلام لا تتعلق بفيلسوف بعينه أو بفترة خاصة من فترات التفكير الفلسفي، وإنما هي في الواقع نتيجة كامنة في طبيعة الموقف المثالي ذاته، الذي أعني به، عموما، موقفا ينكر استقلال الأشياء الخارجية - إما في وجودها أو في صورتها المدركة على الأقل - عن الذاتية المدركة، ويرد هذا الوجود أو هذه الصورة المدركة إلى وجه من أوجه الذاتية، ونستطيع أن نقول بوجه عام: «إن التمييز المنطقي بين الأحلام وحالة اليقظة يغدو أصعب كلما ازداد الفيلسوف تمسكا بالمبادئ المثالية»، فالنظر إلى الحياة على أنها حلم متصل، هي إمكانية قائمة على الدوام في التفكير المثالي الأصيل.
ومن الأدلة على ذلك أن هذه الإمكانية تظهر لدى أقدم ممثلي التفكير المثالي وأحدثهم عهدا.
فلنتأمل قليلا مغزى «أسطورة الكهف» عند أفلاطون، إنها لا تعدو - في واقع الأمر - أن تكون تعبيرا مجازيا عن هذه الفكرة ذاتها، أعني فكرة «العالم بوصفه حلما متصلا أو شاملا»، فهنا توصف حياة الإنسان في هذا العالم بأنها خداع، ومعرفته بأنها معرفة ظلال فحسب، وإن التقابل بين حالة الوجود في الكهف، وبين حالة تأمل الضوء «الحقيقي» ورؤية الأشياء وقد أنارتها «الشمس الحقيقية»، إنما هو مواز تماما للتقابل بين الحلم واليقظة، فهنا يحمل أفلاطون على معرفة الإنسان في هذا العالم بأسرها، لا على لحظات أو نواح معينة في هذه المعرفة، ويثير صراحة إمكانية كون حياة الإنسان في هذا العالم خداعا أو حلما متصلا .
وفي الطرف الآخر من تاريخ الفكر الفلسفي، يجد المرء أمثلة عديدة لمفكرين معاصرين أو قريبي العهد لم يسعهم إلا أن يأخذوا مأخذ الجد تلك الفكرة القائلة باحتمال كون الحياة حلما متصلا.
مثال ذلك: إن عالما ومفكرا مشهورا مثل «هلمهولتس»؛ إذ رأى أن الإحساسات لا تشابه موضوعاتها، وأنها لا تعدو أن تكون «علامات» لا «صورا» لها، قد بدا له أن الأمر ما دام كذلك فربما كانت إحساساتنا لا تشير إلا إلى موضوعات خيالية لا حقيقية، ومن ذلك انتهى إلى قوله: «لست أدري كيف يمكن تفنيد المذهب المثالي الذاتي الذي يذهب إلى حد القول أن الحياة لا تنطوي إلا على أحلام.»
12
ويتحدث «برتراند رسل» عن هذا الاحتمال ذاته - على أساس منطقي بحت - في عدة كتب له، فهو في كتاب «معرفتنا بالعالم الخارجي» يقول: «... إنه لواضح أن من الممكن ألا يكون ما نسميه بعالم اليقظة سوى كابوس متكرر متردد إلى حد غير عادي ... وقد يكون ذلك صحيحا؛ إذ لا يمكن إثبات بطلانه، ومع ذلك فإن أحدا لا يعترف به حقيقة، فهل هناك أي أساس «منطقي» للقول بأن هذه الإمكانية غير محتملة؟»
Bog aan la aqoon