Nazariyat Macrifa
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
Noocyada
لنفرض أن هناك عالما آخر - غير عالمنا هذا - به كائنات مدركة ذات حواس وأذهان، وأشياء ذات وجود مستقل، ولنفرض أن هذه الكائنات لا تدرك الأشياء المستقلة إلا من خلال حواسها وأذهانها، عندئذ سيكون من الطبيعي أن تبدو هذه الأشياء - في نظر بعض هذه الكائنات - متوقفة في وجودها تماما على حواسها وأذهانها، على حين أنها، حسب الفرض ذاته، مستقلة.
وبعبارة أخرى، ففي حالة أي كائن يدرك الأشياء من خلال حواسه وذهنه، تثار حتما مشكلة استقلال الأشياء، ولكن وجود هذا «الحاجز» الحسي والذهني الضروري لا يمنع من أن تظل الأشياء مستقلة، والفارق الحاسم في هذه الحالة هو نوع الشروط التي تدرك بها هذه الأشياء من خلال الحواس والذهن: أي ما إذا كانت الحواس والذهن قادرة على أن تبعث الأشياء كلما شاءت ذلك، أو أنها لا تستطيع أن تبعث هذه الصورة إلا إذا توافرت شروط محددة بدقة.
وقد حلل «ك. أ. لويس» هذه المسألة تحليلا دقيقا، انتهى منه إلى أن ضرورة انتساب الواقع إلى ذات عارفة لا تتعارض على الإطلاق مع بقاء الواقع مستقلا، «فالواقع - بقدر ما يمكن أن يكون معطى في التجربة أو معروفا - منسوب إلى العارف، ولا يمكن أن يفهم إلا من حيث هو ظاهر أو قابل للظهور أمام مدرك في تجربة فعلية أو ممكنة، ولكن كون الطابع الوحيد الذي يمكن أن يعزى إلى أي شيء حقيقي هو طابع يوصف بعبارات نسبية - أي بالنسبة إلى تجربة ما - ليس معناه أن نأبى على هذا الشيء الطبيعة المستقلة، ولا يتعارض مع إمكان معرفة هذه الطبيعة.»
1
والمسألة هي أن هذه الشروط - التي تتوقف عليها تجربة العارف في إدراك الشيء - محددة دائما بدقة، ولا بد أن يكون ما يحددها شيئا آخر غير العارف ذاته؛ إذ إن هذا لا يعرف في أي وقت يشاء، بل يعرف كلما توافرت هذه الشروط، وإذن فهذه الشروط راجعة حتما إلى «الطابع الحقيقي والموضوعي للشيء ...»
2
وإنه لمن سوء الفهم لطبيعة فكرة النسبية أن يستنتج المثالي من انتساب الشيء إلى الذهن أن الشيء «معتمد» تماما على الذهن.
3
ولعل من حسن حظ الباحثين في عصرنا الحالي أنه قد ظهرت أجهزة تنقل عن طريقها بعض كيفيات الأشياء على نحو لم يكن ليخطر على بال الباحثين التقليديين في المعرفة على الإطلاق، وتسهم في حل المشكلة المتعلقة بانتساب هذه الكيفيات إلى الذات مساهمة قيمة، ولنتأمل مثلا جهاز تسجيل الأصوات، فهذا الجهاز يبعث كيفية من كيفيات الأشياء - وهي الصوت - دون أن يكون هناك أي شبه بين المصدر الذي ينقل الصوت عن طريقه - وهو الشريط - وبين الصوت ذاته، فعن طريق الموجات الكهربائية المغناطيسية يبعث الجهاز كيفية مختلفة تماما عن هذه الموجات، ولا شك في أن الجهاز ذاته قد اشترك - بمعنى ما - في خلق الصوت، ولكن هل يعني ذلك أنه قد «تدخل» في جعل هذا الصوت على ما هو عليه؟ أو أن له دورا فيما تكون عليه الصورة النهائية للصوت؟ الواقع أن الجهاز لا يبعث شيئا من عنده على الإطلاق، وإنما «يترجم» الموجات إلى أصوات، ومما لا شك فيه أن طبيعة الشريط - أي نوع الموجات المسجلة عليه - هو العامل الوحيد المتحكم في نوع الصوت الصادر: أي في كونه صوتا بشريا أو موسيقيا أو طبيعيا ... إلخ، أي إن نوع الصوت يتوقف في هذه الحالة على عامل «موضوعي» لا شأن لجهاز التسجيل ذاته به، وهنا نجد مثالا واضحا لجهاز
System
Bog aan la aqoon