Nazariyat Macrifa
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
Noocyada
17
وإذن، ففكرة الجوهر لم تكن عند أرسطو إلا تعبيرا عن ارتباط الفكر في عصره بطريقة النظر المألوفة إلى الأشياء. •••
ونستطيع أن نقول: إن الخطأ الذي ارتكبه نقاد فكرة الجوهر في الفلسفة الحديثة، كان هو الاعتقاد بأن الفكرة دخيلة ومفروضة على الذهن البشري على نحو ما، وهو اعتقاد يتجاهل تلك الصفة الأصلية التي لا يمكن أن ينتزعها من ذهننا أي تقدم فكري أو علمي، وهي صفة الاهتداء إلى «أشياء» في تجربتنا اليومية على الدوام، ففي رأي لوك - مثلا - أن فكرتنا عن الأنواع الخاصة من الجوهر تتكون عن طريق «ضم تلك المجموعات من الأفكار البسيطة التي ندرك في التجربة وفي ملاحظات حواسنا البشرية أنها موجودة سويا، والتي يعتقد بالتالي أنها تتلو من التركيب الداخلي الخاص أو الماهية المجهولة لذلك الجوهر، وهكذا نصل إلى تكوين أفكار عن الإنسان والفرس والذهب والماء إلخ، وهي أمور أهيب بالتجربة الخاصة لكل شخص أن تنبئ إن كانت لدينا عنه أية فكرة واضحة، بخلاف كونها أفكارا بسيطة توجد سويا.»
18
وطالما أن لوك قد استشهد ب «التجربة الخاصة لكل شخص»، فمن حقنا أن نرد عليه قائلين: إن المصدر الأول والأهم لفكرة الجوهر هو تجربة الناس اليومية، ولا يمكن أن يكون وصفنا لهذه التجربة دقيقا أو أمينا إذا قلنا إن الناس يجدون فيها مجموعة من الأفكار البسيطة الموجودة معا، ثم يكونون منها بالتعود فكرتهم عن الجوهر، بل إن الذي يحدث دائما لا في أيام لوك أو أيام أرسطو فحسب هو أن يبدأ الناس بالنظر إلى موضوعات إدراكهم على أنها «أشياء»، ولا يمكن الوصول إلى الرأي القائل: إن الجوهر مجموعة أو حزمة من الصفات الموجودة معا إلا عن طريق «التحليل الفكري»، أما التجربة المألوفة - التي استشهد بها لوك - فتؤدي إلى عكس ما يقول، ومن الغريب أن لوك يقول في الفقرة التالية مباشرة من كتابه: إننا نفترض الأفكار البسيطة موجودة في جوهر مشترك؛ «لأننا لا نستطيع أن نتصورها موجودة وحدها أو واحدة في الأخرى.»
19
وهنا ينبغي أن نسأله: لماذا لا نستطيع أن نتصورها موجودة وحدها؟ وهل فكر في سبب هذه الاستحالة أو في دلالتها؟ ألا ترجع إلى كون تجربتنا في الإدراك مصوغة على هذا النحو؟ وفضلا عن ذلك، أليس هذا دليلا على أن المسألة أكثر من مجرد «التعود» النفسي الذي أشار إليه؟
وبالمثل يقول هيوم: «إن اللون والطعم والشكل والصلابة وغيرها من الصفات المجتمعة في خوخة أو بطيخة، تدرك على أنها تكون شيئا واحدا، وذلك نتيجة للعلاقة الوثيقة بينها، وهي العلاقة التي تجعلها تؤثر في الفكر على نفس النحو الذي تؤثر عليه الأشياء البسيطة تماما، ولكن الذهن لا يقنع بذلك، فكلما رأى الشيء في ضوء آخر وجد كل هذه الصفات مختلفة، تقبل التمييز والانفصال بعضها عن البعض، ولما كان هذا الرأي في الأشياء يهدم أفكاره الأولى الأكثر طبيعية، فإنه أي هذا الرأي يدفع الخيال إلى ابتداع شيء غير معلوم، أو جوهر «أصلي» ومادة «أصلية» يكون مبدأ الوحدة أو التماسك بين هذه الصفات، وهو الذي يجعل الشيء المركب جديرا بأن يسمى شيئا واحدا، رغم تنوعه وتعقيده.»
20
وهنا أيضا يعترف هيوم بارتباط الفكرة «بأفكارنا الأولية الأكثر أصالة» - أي بموقفنا الطبيعي - ولكنه من جهة لا يستخلص الدلالة الحقيقية لهذا الارتباط، ويقدم إلينا من جهة أخرى صورة غريبة كل الغرابة عن تجربتنا: هي تلك التي «يبتدع» فيها الذهن أو «يصوغ» دعامة لأفكارنا البسيطة، وكأن الأمر عملية واعية نقوم بها عمدا، وكأن في وسعنا تحديد الظروف التي قمنا فيها بمثل هذا الجمع «الخيالي» بين الأفكار البسيطة في جواهر.
Bog aan la aqoon