[معاهدة عائشة ألا تكلم ابن الزبير]
رضي الله عنها كانت معاهدة أن لا تكلم ابن الزبير لما بلغها عنه أنه قال لما أعطيت مالا كثيرا وقسمته فقال «لأحجرن على عائشة» فقالت «يحجر علي ابن الزبير وعاهدت الله أن لا تكلمه أبدا ثم دخل عليها مع من دخل من بني زهرة فكلمته وأعتقت (أربعين رقبة) * وكانت إذا ذكرت عهدها تبكي حتى تبل خمارها» وهذا والله أعلم لأن عائشة قد تكون اعتقدت أن هذا العهد من باب العهد لله والنذر له لكون ابن الزبير أنكر معروفا أمر الله به ورسوله وعزم على منعها من فعل الخير فاستحق لذلك أن يهجر فعاهدت الله على هجره متقربة بهذا العهد إلى الله ومن عاهد الله على فعل واجب أو مستحب يقصد به التقرب إلى الله فعليه أن يوفي بعهده فإن هذا نذر يجب الوفاء به وليس له أن ينقضه ثم لما تاب ابن الزبير وصلته لأن التوبة تجب ما قبلها.
ولكن كان اللفظ عاما وإذا نذر نذرا لسبب وزال ذلك السبب فهل يزول النذر فيه نزاع بين العلماء والمنقول عن أحمد في رجل نذر أن لا يصيد في نهر لظلم رآه فيه ثم زال الظلم قال النذر يوفي به لا يصطاد فيه أبدا كأنه شبه هذ بمن هاجر من مدينته لله كما هاجر المسلمون من مكة لما تركوها [لله] لم يعودوا إليها أبدا لأنهم تركوها لله وإن كان سبب تركهم قد زال.
فأحمد رأى هجر النهر الذي يصطاد فيه من هذا الباب.
ولعل عائشة رضي الله عنها خافت أن هجرها لابن الزبير لما كان لله من هذا الباب وخافت أن يكون سلامها عليه لكونه ابن أختها كمن ينذر شيئا لله ويدعه لغرض له ثم غضبها على ابن الزبير أولا وخوفها من الله ثانيا عظم المعاهدة في قلبها حتى التزمت ذلك الوفاء وتقربت إلى الله لما كلمته بهذه القربات وإلا فلو كان هذا كالأيمان التي يحلف فيها الإنسان على قطيعة الرحم لم يكن في ذلك أكثر من كفارة يمين ولو قال الإنسان أعاهد الله ألف مرة على أن لا أصلي الخمس ولا أصوم شهر رمضان لم يكن عليه في ذلك أكثر من كفارة يمين.
Bogga 97