منها، وأن أنظر إليها من مرقب عالٍ، وكنت أعلم أن من أعجز العجز أن ينظر الرجل إلى الأمر نظرة طائرة حمقاء، فإما أخذه كله، وإما تركه كله، فرأيت حسناتها وسيئاتها، وفضائلها ورذائلها، وعرفت ما يجب أن يأخذ منها الآخذ، وما يرتك التارك، فكان من همي أن أحمل الناس من أمرها على ما أحمل عليه نفسي، وأن أنقم من هؤلاء العجزة الضعفاء تهالكهم لها، واستهتارهم بها، وسقوط نفوسهم أمام رذائلها ومخازيها، وإلحادها وزندقتها، وشحها وقسوتها، وشرهها وحرصها، وتبذلها وتهتكها، حتى أصبح الرجل الذي لا بأس بعلمه وفهمه إذا حزبه١ الأمر في مناظرة بينه وبين من يأخذه برذيلة من الرذائل لا يجد بين يديه، وما ينضح به عن نفسه إلا أن يعتمد عليها في الاحتجاج على فعل ما فعل، أو ترك ما ترك، كأنما هي القانون الإلهي الذي تثوب إليه العقول عند اختلاف الأنظار، واضطراب الأفهام، أو القانون المنطقي الذي توزن به التصديقات والتصورات لمعرفة صوابها وخطئها وصحيحها وفاسدها، وحتى أصبح السيد في منزله يستحي من خادمة مطبخه الأوروبية أن تطَّلع منه على جهل ببعض عاداتها وعادات قومها حتى لبس الرداء، وخلع الحذاء،
_________
١ حزبه الأمر اشتد عليه.
1 / 30