لأنه يجد على رأس كل واحدة منها زعيما من زعماء الخديعة، والكذب يصرفه عنها إلى غيرها، وكنت أرى أن الأدب حال قائمة بالنفس تمنع صاحبها أن يقدم على شر أو يحدث نفسه به، أو يكون عونا لفاعليه عليه، فان ساقته إليه شهوة من شهوات النفس أو نزوة من نزواتها وجد في نفسه عند غشيانه ومخالطته من المضض والارتماض ما ينغص عليه عيشه، ويقلق مضجعه، ويطيل سهده وألمه، فإذا هو صورة من صور الجوارح وعرض من أعراض الجسم لا دخل له في جوهر النفس، ولا علاقة بينه وبين الحس والوجدان، فأكثر الناس عند الناس أدبا، وأقومهم خلقا، وأطهرهم نفسا، من لا يفي على شرط أن يعد، ومن يكذب على أن يكون كذبه سائغا مهذبا، ومن يملأ صدره موجدة وحقدًا على أن يكون بساما ضحوك السن، ومن يسرق على أن يستطيع العبث بمواد القانون وخداع القضاة عنها، ومن يبغض الناس جميعا بقلبه، على أن يحبهم جميعا بلسانه، ومن يحفظ تلك المصطلحات اللفظية، وتلك الصور الجافة من الحركات الجسمية التي تواضع عليها المتكلفون في الزيارة والاستزارة والهناء والعزاء والمؤاكلة والمنادمة، وأمثال ذلك مما يرجع العلم به غالبا إلى صغر النفس وإسفافها، أكثر مما يرجع إلى علوها وكمالها،
1 / 24