أثوابها اللاصقة بها، فنقلها إليهم كما هي إلا ما كان من تبديل حرف بحرف أو كلمة بأخرى من حيث يظن أنه يهتف بشيء قام في نفسه أو يفضي بخاطر من خواطر قلبه، وإما شحيح يأبى له لؤم نفسه، وخبث فطرته أن يمنح الناس منحته سائغة هنيئة دون أن يكدرها عليهم بالمظل والتسويف والممانعة والمحاولة. والشح خلق إذا نزل منزله من نفس صاحبه أقام من نفسه حارسا يقظا على كل حاسة من حواسه الباطنة، والظاهرة حتى لا يجد فيه واجد مصطنعا، ولا يظفر منه معتصر ببلة، فيضن بعلمه، كما يضن بماله، ويقبض لسانه عن النطق، كما يقبض يده عن الإنفاق، ويصرد١ عطاءه تصريدًا ليستديم به حاجة الناس إليه، كما يجيع كلبه ليتبعه، ولعنه الله والملائكة والناس أجمعين، على العجزة والجاهلين، والمحتالين والكاذبين، والأشحاء والباخلين.
وكان أشعر الشعراء عندي، وأكتب الكتاب سواء في ذلك المتقدم والمتأخر والنابه والخامل أوصفهم لحالات نفسه أو أثر مشاهد الكون فيها، وأقدرهم على تمثيل ذلك، وتصويره للناس تصويرا صحيحا كأنما هو يعرضه على أنظارهم عرضا، أو يضعه في أيديهم وضعا، فإن ظننت أن القائل كاذب فيما يقول، أو
_________
١ صرد العطاء أعطاه قليلا قليلا.
1 / 15