كتاب نظرات
في ملامح المذهب الزيدي وخصائصه
للسيد العلامة
محمد بن عبد الله عوض المؤيدي حفظه الله تعالى
[المقدمة]
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين:
فإنه قد قامت الدلالة على أن عترة الرسول صلى الله عليه وآله هم الفرقة الناجية، وأن الحق معهم إلى يوم القيامة.
وذلك كحديث الثقلين المعلوم صحته، والمروي عند جميع طوائف المسلمين([1])، وغيره من الأحاديث التي لا تحصى لكثرتها، بالإضافة إلى آيات كثيرة تدل على ذلك، كآية التطهير والمودة ([2])، والمقام لا يتسع للتفصيل، ومن أراد الإطلاع فعليه بكتب الأئمة وأتباعهم رضوان الله عليهم، مثل الجزء الأول من الإعتصام، والشافي، واللوامع وغيرها.
Bogga 1
[اختلاف الأمة وتفرقها]
لا شك في حصول التفرق والاختلاف بين الأمة الاسلامية منذ العصر الأول وإلى اليوم، يستحل بعضهم دماء بعض، ويكفر بعضهم بعضا، وتماما كما حكى الله عمن قبلهم من أهل الكتاب ((وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء)) [البقرة:113]، وكلا التفرق والاختلاف مذموم، لا فرق بين تفرقوا واختلفوا، كما فرق بعض المتطفلين بجواز الاختلاف دون التفرق، أو لم يقرأ هذا المتطفل قوله تعالى: ((ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر)) [البقرة: 253]، ((فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق)) [البقرة:213]،((ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم)) [آل عمران: 105].
Bogga 2
إذا فالاختلاف والتفرق معصية كبيرة، بدلالة وعيد القرآن، ولا يتسع المقام لتفصيل أدلة ذلك، وإذ قد قامت الدلالة على أن أهل البيت مع الحق والحق معهم، وأنهم طائفة الحق الظاهرة، وأن الاختلاف والتفرق من كبائر العصيان، فإذا جماعة أهل البيت جماعة الحق، التي لا يجوز التفرق عنها ومخالفتها، والمسلمون جميعا متفقون جملة، ومختلفون تفصيلا، مع العلم أنهم معترفون أن هناك طائفة واحدة على الحق، وكل يدعي أنه تلك الطائفة، ولهم في دعاويهم شبه واهية مذكورة في كتب الكلام مع الرد عليها، كينابيع النصيحة والأساس وغيرها، غير أن طائفة الزيدية أثبتت دعواها بالأدلة المتكاثرة، والحجج المتظاهرة المتظافرة، مع أنه يكفي لإثبات دعواها حديث الثقلين الذي روته وصححته تلك الطوائف المختلفة.
[من هم أهل البيت المذكورون في حديث الثقلين]
هم أهل الكساء وما تناسل منهم، بدليل حديث الكساء المروي عند جميع المسلمين، وإن شئت فانظر تخاريجه في شرح الغاية للحسين بن القاسم، وتفاسير القرآن العظيم عند قوله تعالى ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)) [الأحزاب: 33].([3])
وأيضا فإنا لم نعلم أحدا من علماء الأمة قديما وحديثا ادعى أن المراد بحديث الثقلين نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألبتة.
Bogga 3
[بيان المقصود]
وليس المقصود هنا أن نبين الأدلة الدالة على أن الحق في جانب
العترة وشيعتهم وبيان المراد بأهل البيت، بل الغرض بيان مذهب الزيدية في ما وقع فيه الخلاف من أمهات المسائل الأصولية، ليكون المكلف على بصيرة بعقيدته، وعقيدة أئمته وأهل نحلته، ولم نأت بشيء جديد غير أنا اخترنا بعض المسائل المهمة التي كثر حولها النزاع، ولم نتعرض لغيرها إلا ما لا بد منه، أو دعت إليه حاجة.
[السبب أو الداعي للتأليف]
والذي دعاني إلى هذا أن المذهب الزيدي وعقائده تتعرض للتشويه والتحريف، ومحاولة الطمس، وذلك من قبل بعض الشباب المؤمن، فاخترت هذه المسائل لطلبة العلم ليوجهوا إليها عنايتهم، فإنها مميزات المذهب وخصائصة التي يتميز بها.
وقد سلكنا أقرب السبل وأسهلها إلى التوضيح، واقتصرنا على الأدلة القريبة الفهم، ليسهل على القاريء تناولها، ولم نستوعب الأدلة وذلك لأنها موضوعة للطلبة الزيديين، وإنما المقصود هو التعريف لهم بمذهبهم والإشارة إلى دليل المسألة. والحمد لله رب العالمين.
Bogga 4
### || [التوحيد]
[الإيمان بالله تعالى]
Bogga 5
الإيمان بالله هو أول الواجبات المتعلقة بالمكلف، ولكن الإيمان بالله لا يحصل إلا عن طريق النظر، وتقليب الفكر فيما أودع في هذا الكون، فيجب حينئذ النظر والتفكر تبعا لوجوب الإيمان.وقد أرشد الله سبحانه في كتابه إلى طرق التفكير، ووسائل التصديق العقلية، ولا سيما في السور المكية، وبصفة أخص في الجزء الثلاثين ((ألم نجعل الأرض مهادا (6) والجبال أوتادا (7) وخلقناكم أزواجا (8) وجعلنا نومكم سباتا (9) وجعلنا الليل لباسا (10) وجعلنا النهار معاشا (11) وبنينا فوقكم سبعا شدادا (12) وجعلنا سراجا وهاجا (13) وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا (14) لنخرج به حبا ونباتا (15) وجنات ألفافا)) [النبأ]، ((فلينظر الإنسان إلى طعامه (24) أنا صببنا الماء صبا (25) ثم شققنا الأرض شقا(26) فأنبتنا فيها حبا(27) وعنبا وقضبا (28) وزيتونا ونخلا (29) وحدائق غلبا (30) وفاكهة وأبا)) [عبس:6-31]، ((فلينظر الإنسان مم خلق (5) خلق من ماء دافق (6) يخرج من بين الصلب والترائب)) [الطارق:5-7]، ((أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (17) وإلى السماء كيف رفعت (18) وإلى الجبال كيف نصبت (19) وإلى الأرض كيف سطحت (20) [الغاشية:17-20]، ((أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها (27) رفع سمكها فسواها (28) وأغطش ليلها وأخرج ضحاها (29) والأرض بعد ذلك دحاها (30) أخرج منها ماءها ومرعاها (31) والجبال أرساها (32) متاعا لكم ولأنعامكم [النازعات:27- 33]، ((يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم (6) الذي خلقك فسواك فعدلك (7) في أي صورة ما شاء ركبك)) [الإنفطار:6-8]، ((سبح اسم ربك الأعلى (1) الذي خلق فسوى (2) والذي قدر فهدى (3) والذي أخرج المرعى (4) فجعله غثاء أحوى)) [الأعلى:1_5]، ((فلا أقسم بالخنس (15) الجوار الكنس (16) والليل إذا عسعس (17) والصبح إذا تنفس)) [التكوير:15-18]، ((فلا أقسم بالشفق (16) والليل وما وسق (17) والقمر إذا اتسق)) [الإنشقاق: 16-18]، ((والفجر (1) وليال عشر (2) والشفع والوتر (3) والليل إذا يسر)) [الفجر:1-4]، ((والشمس وضحاها (1) والقمر إذا تلاها (2) والنهار إذا جلاها (3) والليل إذا يغشاها (4) والسماء وما بناها (5) والأرض وما طحاها (6) ونفس وما سواها)) [الشمس:1-7]، ((والليل إذا يغشى (1) والنهار إذا تجلى (2) وما خلق الذكر والأنثى)) [الليل:1-3]، ((والضحى (1) والليل إذا سجى)) [الضحى:1-2]، ((والتين والزيتون)) إلخ.
Bogga 6
وفي بعض ما تلونا دعوة إلى النظر في مشاهد هذا الكون، وصيحات تنبه الغافلين، وتوقظ النائمين، استيقظوا، انظروا، تلفتوا، تفكروا، تدبروا أن هنالك إلها ومدبرا، إن وراء ذلك قدرة عظيمة، ومدبرا حكيما، فكأنما كانت هذه الآيات في هذا الجزء يد قوية تهز الغافلين، وتوجه أنظارهم وقلوبهم إلى هذه الخلائق العجيبة التي تنادي بما وراءها من التدبير والتقدير.
نعم، مركوز في الفطرة أن المسببات مربوطة بأسبابها، وأن الحوادث ناتجة عن فاعلها، ومن هنا قال تعالى: ((أفرأيتم ما تمنون (58) أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون)) [الواقعة:58-59]، ((أفرأيتم ما تحرثون (63) أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون)) [الواقعة:63-64]، ((أفرأيتم الماء الذي تشربون (68) أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون)) [الواقعة:68-69].
أما وجود الأشياء من غير موجد ألبتة فذلك مرفوض عند العقل، ولا تقبله الفطرة، وعلى هذا أهل الملل بأسرها، وإنما اختلفوا في الذي ترتب عليه الوجود.
فمنهم من قال: طبيعة، ومنهم من قال: عقل، ومنهم من قال: إنه نجم، ومنهم من قال: إنه علة، ومنهم من يقول: إنه فاعل مختار.
Bogga 7
أما القائلون بأن العالم قديم لا أول لوجوده فقد انقرضوا ولا وجود لهم، وقد زيف فكرتهم هذه علميا علماء المادة في هذا القرن، وقولنا: علميا جريا منا على اصطلاح جديد عم البلاد العربية بعد البلاد الغربية، ولا يقال علميا في هذا الاصطلاح إلا ما دخل تحت الحس والتجربة.
نعم، هذا الخلق العجيب، والترتيب البديع، والتناسق المحكم، والقانون الدقيق، يدل على أن وراءه قادرا عظيما، وصانعا حكيما، وعليما خبيرا، لا تخفى عليه خافية.
Bogga 8
لنصغ إلى هذه الآيات في تأمل: ((قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون (59) أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون (60) أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون (61) أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون (62) أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون (63) أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)) [النمل:59-64]، فأي برهان أصدع من هذا البرهان؟!، وأي حجة أبلغ من هذه الحجة؟!، وإذا لم يخضع العقل لهذه الحجة، ويذعن لهذا البرهان، فإنه لا يخضع لبرهان، ولا يذعن لحجة ((ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور)) [النور: 40].
Bogga 9
[الإيمان برسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم]
ادعى محمد صلى الله عليه وآله وسلم النبوة، وأنه رسول من عند الله تعالى، وجاء بالقرآن شاهدا على دعواه، ومؤيدا لنبوته قال تعالى: ((وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين)) [البقرة: 23]، فأعرض المكذبون عن هذا المطلب، وعدلوا إلى الحرب، فعدولهم إلى الحرب دليل عجزهم عن الإتيان بسورة من مثله.
نعم، إلى الآن لم يأت أحد بسورة من مثله، وقد مضى من ذلك الحين إلى الآن أكثر من أربعة عشر قرنا، ولم يظهر شيء من المعارضة، مع بقاء التحدي ووجود المكذبين، فلو كان في مقدور البشر ذلك لحصل في هذه المدة المديدة.
Bogga 10
هذا وفي كتاب الله تعالى بيان واضح على صدق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه من عند الله تعالى، من ذلك ما ذكره الله تعالى مما لا يمكن لبشر في ذلك الوقت الاطلاع عليه ومعرفته، وذلك كتحدثه عن أسرار البحار التي لم تعرف إلا في عصر الغواصات الحديثة قال تعالى: ((أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب)) [النور:40]، فإنه لم يكتشف وجود موج تحت الموج السطحي إلا في هذا القرن، في حين أن القرآن قد تحدث عنه قبل أربعة عشر قرنا، فهذا دليل على أن القرآن من عند الله تعالى، إذ أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن من علماء البحار والمحيطات، ولو فرضنا أنه منهم، لما تأتت له معرفة ذلك في ذلك العصر البدائي، لعدم وسائل المعرفة.
فحين جاء بذلك السر وتلك المعارف، ثم صدقها الواقع، علمنا أنه من عند الله تعالى، وفي هذا آية عظيمة لأهل هذا الزمان الذين قلت معرفتهم لأسرار البلاغة المودعة في آيات القرآن.
Bogga 11
ومن أسرار البحار التي تحدث عنها القرآن ولم تعرف بالفعل إلا في هذا القرن، ما جاء في سورة الرحمن قال تعالى: ((مرج البحرين يلتقيان (19) بينهما برزخ لا يبغيان (20) فبأي آلاء ربكما تكذبان (21) يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان (22) فبأي آلاء ربكما تكذبان)) [الرحمن:19-23]، فقد اكتشف البحارة الغربيون في أوائل هذا القرن أثناء وجودهم في باب المندب والبحر الأحمر أمامهم والمحيط الهندي خلفهم أن لكل من البحرين صفة ومميزات تخصه في الملوحة والحيوانات والنباتات إلخ، مع اتصال المائين، وقد كان بعض المفسرين من قبل يفسرون ذلك بالماء العذب والمالح، غير أنه يشكل عليهم أنه لا يخرج اللؤلؤ والمرجان من العذب، وأن البرزخ لا يبقى كثيرا ثم يختلط الماءان، والتفسير بما ثبت صحته فعلا وثبت وجوده حقيقة أولى مع بقاء التفسير على الظاهر، بينما يحتاج الأولون في تفسيرهم إلى التأويل في قوله تعالى: ((منهما))، إذ لا يخرج اللؤلؤ والمرجان من العذب.
هذا وقد تابع علماء البحار البحث عن خصائص البحار فوجدوا لكل بحر شخصية تميزه عن لصيقه، وهذه آية أخرى تدل على صدق النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأن القرآن من عند الله تعالى، وصدق الله سبحانه وتعالى: ((سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد)) [فصلت: 53]، وقد وضع كتاب كبير في هذا الموضوع إسمه الإكتشافات العصرية لما أخبر به سيد البرية، مؤلفه حسيني من الجزائر فيه أكثر من مائة موضوع ([4]).
Bogga 12
[الإيمان برسل الله وملائكته وكتبه]
من الفرائض الحتمية الإيمان برسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وقد جاء ذكر بعضهم في القرآن، وبعضهم لم يذكروا: ((منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك)) [غافر:78]، فالواجب الإيمان بهم جميعا، من ذكر ومن لم يذكر صلوات الله عليهم أجمعين، أولهم آدم أبو البشر صلوات الله عليه، وآخرهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ويجب الإيمان بما أنزل على كل منهم على الإجمال، وإن لم نعلم تفصيل ذلك قال تعالى: ((قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون)) [البقرة:136].
Bogga 13
وكذلك يجب الإيمان بملائكة الله، قال تعالى: ((آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملآئكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله)) [البقرة:285]، وقد أخبرنا الله تعالى عنهم جملة فقال تعالى: ((بل عباد مكرمون (26) لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون)) [الأنبياء:27]، وقال تعالى: ((يسبحون الليل والنهار لا يفترون)) [الأنبياء: 20]، وقال تعالى: ((لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون)) [الأعراف:206]، وذكر سبحانه منهم جبريل وميكال، وقال: ((وإن عليكم لحافظين)) [الإنفطار: 10]، وقال تعالى في جبريل: ((نزل به الروح الأمين)) [الشعراء: 193]، وأخبرنا سبحانه أن منهم خزنة لجهنم، ومنهم حملة العرش، ومنهم الموكل بانتزاع الأرواح، ((حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا)) [الأنعام: 61]، وقال سبحانه: ((الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء)) [فاطر: 1].
Bogga 14
[الإيمان باليوم الآخر]
هو من أركان الإيمان الذي إذا لم يقم إنهار بناؤه، ومعنى
الإيمان باليوم الآخر: التصديق بالبعث بعد الموت، بعث الروح والجسد، ثم الحساب، فمن كان شقيا فإلى النار خالدا فيها أبدا، ومن سعد فإلي الجنة خالدا فيها أبدا.
[الأجسام والأعراض]
الجسم: هو أعرف من أن يعرف، كالإنسان، والشجر، والحجر، والماء، والهواء.
والعرض: هو ما يعرض للجسم من الأشكال والألوان، والإجتماع والإفتراق، وما يعرض له من الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، والحركة والسكون، وخواطر النفس ووساوسها، والهم والغم، والفرح والحزن، والرضا والغضب، والرحمة والشفقة، والشهوة والنفرة، والإرادة والكراهة، والعزم، وكعلم الإنسان وحياته، وقدرته وسمعه، وبصره وجهله وموته وعجزه، وكالحلاوة والمرارة ونحوهما في المطعومات.
Bogga 15
فالعرض عند المتكلمين: هو من توابع الجسم وصفاته، إذا فالأعراض هي صفات الأجسام، ولا يمكن أن يوجد العرض بمفرده، بل لا بد من جسم يحل فيه العرض، وكذلك الجسم فإنه لا يصح أن يوجد بمفرده خاليا عن الأعراض، فإذا وجد الجسم فلا بد له من صفات يوجد عليها، كالطول، والقصر، واللون، والحركة، والسكون، والإجتماع، إلخ.
وكذلك القدرة، والعلم، والحياة، والعجز، والإرادة، والعزم، والرضا والغضب، والكراهة والرحمة، والصعود والهبوط والانتقال.
فكل هذه الأعراض المشاهدة تختص بالأجسام، ولا يتصورها العقل إلا في جسم.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا يعقل جسم إلا في مكان، ويستحيل أن يوجد جسم لا في محل.
ولا خلاف بين المسلمين أن السموات والأرض وما بينهما محدث، وأن محدث ذلك هو الله سبحانه وتعالى، وأنه موجود عالم، قادر، حي، سميع بصير، عدل حكيم، ليس كمثله شيء.
ثم اختلفوا في تفاصيل بعض تلك الجمليات، ولنذكر هنا مذهبنا نحن الزيدية.
Bogga 16
[تنزيه الباري عن صفات الأجسام على الجملة]
فمذهب الزيدية على العموم: تنزيه الله سبحانه وتعالى عن كل خصائص الأجسام، وصفاتها من دون استثناء.
فلا يجوز أن نصف الله سبحانه وتعالى بأي صفة من صفات الأجسام المحدثة وذلك لقوله تعالى: ((ليس كمثله شيء))، ولقوله تعالى: ((ولم يكن له كفوا أحد))، ومن هنا لما أثبت المشركون لله صفة من صفات المخلوقين رد عليهم أشد الرد وأعظمه في سورة طه فقال تعالى: ((وقالوا اتخذ الرحمن ولدا (88) لقد جئتم شيئا إدا (89) تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا (90) أن دعوا للرحمن ولدا (91) وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا)) [مريم: 92]، وذلك لأن نسبة الولد إليه تعالى حط له من منزلة الألهية، وحين سأل بنو اسرائيل رؤية الله أخذهم الله بالصاعقة فأماتهم بظلمهم، قال الله سبحانه حاكيا هذه القصة: ((يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم)) [النساء:135]، فلما كان سؤال الرؤية حطا لله جل جلاله من منزلة الربوبية إلى منزلة المرئيات التي هي مربوبة ومخلوقة استحقوا أن يصيبهم الله بالصاعقة، كما حكا الله ذلك.
ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: ((لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير))، فمن هنا نزهت الزيدية الباري جل وعلا من كل عرض.
Bogga 17
[انتفاء الجسمية عن الله تعالى]
الذي يدل على انتفاء الجسمية عن الله تعالى على الجملة قوله تعالى: ((ليس كمثله شيء))، ((ولم يكن له كفوا أحد))، فلو كان تعالى جسما لكان كل جسم مماثلا لله تعالى، ومما يؤكد ذلك من الوجهة النظرية أنه لا خلاف بين المسلمين أن الله سبحانه وتعالى كان ولا شيء، وانه سبحانه هو الذي خلق السموات والأرض وما بينهما، وأنه سبحانه خالق العرش وخالق الأمكنة والأزمنة، كان الله ولا مكان ولا زمان ولا عرش ولا كرسي، فهو غني عن المكان، فلو كان جسما تعالى عن ذلك لكان محتاجا في الأزل إلى مكان، ولا يتصور جسم لا في مكان، لأن التمكن صفة ذاتية للجسم.
بيان ذلك، أن الجسم هو ذو الأبعاد التي هي الطول والعرض والعمق، فما بين طرفي كل هو بعد، فمن بداية الطول مثلا إلى نهايته هو مكان الطول، فقد دخل المكان في تحقق ماهية الجسم، فثبت بهذا الدليل القاطع، أن الله تعالى ليس بذي مكان، ويترتب على ذلك أنه تعالى ليس بجسم ولا عرض لإستحالة وجود جسم لا في مكان ضرورة، والعرض من توابع الجسم.
فإذا ثبت أن الله سبحانه ليس بجسم بالأدلة النقلية والنظرية الصحيحة انتفى عنه سبحانه وتعالى جميع صفات الأجسام.
Bogga 18
فلا يجوز عليه سبحانه وتعالى الصعود والهبوط، والذهاب والمجيء؛ لأن ذلك صفات للأجسام، وعوارض لها، وكذلك الحركة والسكون لأنهما من صفات الأجسام وخصائصها، وكذا سائر صفات الأجسام وأعراضها، نحو التجزؤ والإنقسام، والكلية والبعضية، والألوان، والفرح والضجر، والهم والغضب والرضا، والعزم، والإرادة والكراهة، والغضب، والرقة والسهو والغفلة.
وبهذا الدليل يبطل قول من أثبت لله تعالى وجها، وعينين، ويدين،
وأصابع، وجنبا، وقدمين وإلى آخره على الحقيقة.
[الاشتراك في الاسم لا يوجب الاشتراك في المعنى]
وهناك صفات أطلقت على الله سبحانه وتعالى، وأطلقت أيضا على المخلوقين، والإشتراك في الاسم لا يوجب الاشتراك في المعنى، فمعناها: حينما تطلق على الإنسان غير معناها بالنسبة إلى الله تعالى، وسنفصلها كلمة كلمة:
صفة الوجود بالنسبة للإنسان ونحوه من المحدثات معناها: الوجود المحدود بأن له ابتداءا وانتهاءا، قال تعالى: ((هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا)) [الإنسان: 1]، وفي التحقيق الإنسان ونحوه موجود على صيغة المفعول وجد بقدرة قادر.
ومعناها في الخالق سبحانه مغائر لمعناها في المخلوق: فلا أولية لوجوده ولا آخرية ((هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم)) [الحديد:3]، وهو سبحانه الموجد لكل الموجودات على صيغة الفاعل، وقد اشتهر عند المتكلمين هذه العبارة: واجب الوجود، وذلك للتفرقة بين الخالق والمخلوق، فقالوا في المخلوقات إنها: جائزة الوجود، وقالوا أيضا في المستحيل وجوده كالجمع بين النقيضين: مستحيل الوجود.
Bogga 19
[مفارقات قرآنية]
الإنسان خلق ضعيفا....والله قوي عزيز
والإنسان خلق فقيرا....والله غني حميد
والإنسان والد ومولود....والله لم يلد ولم يولد
والإنسان محل النسيان....والله لا يضل ولا ينسى
والإنسان محل النقائص....والله هو الملك القدوس ذو الجلال والاكرام
والإنسان محكوم عليه بالموت....والله حي لا يموت
والإنسان تأخذه السنة والنوم....والله لا تأخذه سنة ولا نوم
والإنسان مملوك....والله المالك للكون وما فيه
وغير ذلك كثير في الكتاب الكريم، فلا مشاركة، ولا مشابهة بين الله وخلقه في شيء، وما وقع من ذلك نحو موجود فإنما هو من قبيل التسمية لا من حيث الحقيقة، وكذلك قارد، وعالم، وحي.
Bogga 20