فقال معاوية: من هذا يا سودة؟! قالت: والله هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والله لقد جئته في رجل كان وصيا علينا، فجار، فصادفته قائما يصلي، فلما رآني انفتل من صلاته، ثم أقبل علي بوجهه برفق ورأفة وتعطف، وقال: ألك حاجة؟! قلت: نعم. وأخبرته، فبكى، ثم قال: اللهم أنت الشاهد علي وعليهم أني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك، ثم أخرج قطعة من جلد، فكتب فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم:
قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين (الأعراف: 85) فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يقدم من يقبضه منك والسلام»، ثم دفع الرقعة إلي فجئت بها إلى صاحبه، فانصرف عنا معزولا. فقال معاوية: اكتبوا لها ما تريد، واصرفوها إلى بلادها غير شاكية.
معاوية والأحنف
خطب معاوية يوما فقال: إن الله تعالى يقول:
وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم (الحجر: 21)، فعلام تلومونني؟! فقال الأحنف : إنا والله ما نلومك على ما في خزائن الله، ولكن على ما أنزله من خزائنه فجعلته في خزائنك وحلت بيننا وبينه.
معاوية وعبد الله بن الزبير
كان لعبد الله بن الزبير أرض وكان له فيها عبيد يعملون فيها، وإلى جانبها أرض لمعاوية وفيها أيضا عبيد يعملون فيها، فدخل عبيد معاوية في أرض عبد الله بن الزبير، فكتب عبد الله كتابا إلى معاوية يقول له فيه: «أما بعد يا معاوية، فإن عبيدك قد دخلوا أرضي فانههم عن ذلك، وإلا كان لي ولك شأن، والسلام»، فلما وقف معاوية على كتابه وقرأه دفعه إلى ولده يزيد، فلما قرأه قال له معاوية: يا بني، ما ترى؟ قال: أرى أن تبعث إليه جيشا يكون أوله عنده وآخره عندك فيأتوك برأسه! فقال: بل غير ذلك خير منه يا بني، ثم أخذ ورقة وكتب فيها جواب كتاب عبد الله بن الزبير يقول فيه: «أما بعد؛ فقد وقفت على كتاب ابن الزبير، وساءني ما ساءه، والدنيا بأسرها هينة عندي في جنب رضاه، نزلت عن أرضي لك؛ أضفها إلى أرضك بما فيها من المال والعبيد، والسلام»، فلما وقف عبد الله بن الزبير على كتاب معاوية كتب إليه: «وقفت على كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، ولا أعدمه الرأي الذي أحله من قريش هذا المحل، والسلام»، فلما وقف معاوية على كتاب عبد الله بن الزبير وقرأه رمى به إلى ابنه يزيد، فلما قرأه تهلل وجهه وأسفر، فقال له: يا بني، من عفا ساد، ومن حلم عظم، ومن تجاوز استمال إليه القلوب، فإذا ابتليت بشيء من هذه الأدواء فداوه بمثل هذا الدواء.
النوادر الثامنة
نوادر الخليفة عمر بن عبد العزيز
زياد وعمر بن عبد العزيز
Bog aan la aqoon