253

Nawadir Kiram

نوادر الكرام

Noocyada

والثالث أن يتأنى في تقدير مادته وتدبير كفايته بما لا يلحقه خلل ولا يناله زلل فإن يسير المال على حسن التقدير، وإصابه التدبير أجدى نفعا وأحسن موقفا من كثيره مع سوء التدبير، وفساد التقدير كالبذر في الأرض إذا روعي يسيره زكا وإن أهمل كثيره اضحمل. وقال محمد بن علي رضي الله عنه: الكمال في ثلاثة، العفة في الدين، والصبر على النوائب، وحسن التدبير في المعيشة. وقيل لبعض الحكماء: فلان غني، فقال: لا أعرف ذلك ما لم أعرف تدبيره في ماله، فإذا استكمل هذه الشروط فيما يستمده من قدر الكفاية فقد أدى حق المروءة في نفسه. وسئل الأحنف بن قيس عن المروءة فقال: العفة والحرفة، وقيل: لا تأسف لمال كان فذهب، ولا تعجز عن الطلب لوصب ولا نصب.

وأما الندب فهو ما فضل عن الكفاية وزاد على قدر الحاجة فإن الأمر فيه معتبر بحال طالبه، فإن كان ممن تقاعد عن مراتب الرؤساء وتقاصر عن مطاولة النظراء وانقبض عن منافسة الأكفاء فحسبه ما كفاه فليس في الزيادة إلا شره ولا في الفضول إلا نهم وكلاهما مذموم، وجاء في الحديث: «خير الرزق ما يكفي وخير الذكر الخفي». وقال عبد الله بن مسعود: المستغني عن الدنيا بالدنيا كمطفئ النار بالتبن. وقال بعض الحكماء: استر ماء وجهك بالقناعة وتسل عن الدنيا لتجافيها عن الكرام فإن كان ممن مني بعلو الهمم وتحركت فيه أريحية الكرم وآثر أن يكون رأسا ومقدما وأن يرى في النفوس معظما ومفخما فالكفاية لا تقله حتى يكون ماله فاضلا ونائله فائضا. وقيل لبعض العرب: ما المروءة فيكم؟ فقال: طعام مأكول ونائل مبذول وستر مقبول. وقال رجل لعمر بن الخطاب: خدمك بنوك؟ فقال: أغناني الله عنهم. وقال الإمام علي لابنه الحسن في وصية له: يا بني إن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا فإن اليسير من الله تعالى أكرم وأعظم من الكثير من غيره، وإن كان كل منه كثيرا، وقال زياد لبعض الدهاقين: ما المروءة فيكم؟ قال: اجتناب الريب فإنه لا ينبل مريب وإصلاح الرجل ماله فإنه من مروءته وقيامه بحوائجه وحوائج أهله فإنه لا ينبل من احتاج إلى أهله ولا من احتاج أهله إلى غيره. وقيل: قدم لحاجتك بعض لجاجتك. وجاء في الحديث: «من أعياه رزق الله تعالى حلالا فليستدن على الله وعلى رسوله». وقال الإمام علي: من أراد البقاء - ولا بقاء - فليبادر الغداء وليخفف الرداء، قيل: وما في خفة الرداء من البقاء؟ قال: قلة في الدين فإن أعوذه ذلك استسماحا فهو الرق المذل؛ ولذلك قيل: لا مروءة لمقل. وقال بعض الحكماء: من قبل صلتك فقد باعك مروءته وأذل لقدرك عزه وجلالته، والذي يتماسك به الباقي من مروءة الراغبين واليسير التافه من صيانة السائلين وإن لم يبق لذي رغبة مروءة ولا لسائل تصون أربعة أمور:

أولا:

جهد المضطر، أحدهما: أن يتجافى ضرع السائلين وأبهة المستقلين فيذل بالضرع ويحرم بالأبهة، وليكن من التحمل على ما يقتضيه حال مثله من ذوي الحاجات، وقد قيل لبعض الحكماء: متى يفحش زوال النعم؟ قال: إذا زال معها التجمل.

ثانيا:

أن يقتصر في السؤال على ما دعته إليه الضرورة وقادته إليه الحاجة ولا يجعل ذلك ذريعة إلى الاغتنام فيحرم باغتنامه ولا يعذر في ضرورته، وقد قال بعض الحكماء: من ألف المسألة ألفه المنع.

ثالثا:

أن يعذر في المنع ويشكر على الإجابة فإنه إن منع فعما لا يملك وإن أجيب فإلى ما لا يستحق.

رابعا:

أن يعتمد على سؤال من كان للمسألة أهلا وكان أنجح عنده مأمولا؛ فإن ذوي المكانة كثير والمعين منهم قليل، ولذلك قال النبي

Bog aan la aqoon