إمبراطور ألمانيا والسينماتوغراف: كان هذا الإمبراطور أول من أدرك مزايا السينماتوغراف لإعلان شهرته وعظمته على الملأ؛ فإنه لما أقام مناورات الجيش الألماني قبل الحرب أمر أن يصحبه أشهر مصوري السينماتوغراف فلبي دعوته ثلاثة من المصورين فكانوا يصورون الإمبراطور وهو بملابسه الحربية المختلفة ومواقفه في رأس الجيش، وقد عين الإمبراطور في حاشيته موظفا خصيصا لتصوير الحفلات والمواكب بالسينماتوغراف وهو لا يصور إلا المناظر التي يكون الإمبراطور فيها بيت القصيد، وقد اتقدى الكرونبرنز بوالده بالإعلان عن نفسه بطريقة السينماتوغراف؛ فإنه قبل نشوب الحرب جعل المصور يصوره في طليعة فرق فرسان الهوسار وهم هاجمون وكان ذلك في إحدى ميادين العرض ببرلين. •••
نشرت اللطائف المصورة هذه الحكاية الفكاهية التي نال من أجلها كاتبها جائزة عشرة قروش وهي: ذهب يوما الجنرال هندبورغ لزيارة السماء فقابله على بابها الشيخ بطرس قائلا: عجبا، وهل قائد شهير مثلك يأتي إلى هنا ماشيا؟ اذهب وارجع مع جوادك إذا كنت تروم الدخول، فتأثر الجنرال وهرع راجعا إلى الأرض وذهب إلى ولي العهد شاكيا بطرس، فقال الأمير: ما لهذا الشيخ يدخل في شئوننا، تعال وأنا أصعد معك وأوقفه عند حده، وذهبا صعدا، فأبصرهما بطرس عن كثب وابتسم، ولما قربا منه التفت إلى هندنبورغ، وقال له: قلت لك إن تعود مصحوبا بجوادك لا بحمار لا يجوز له الدخول. •••
من العادات القديمة التي لا يعرفون كيف نشأت عادة وشم البشرة بخطوط ورسوم، وهي عادة دارجة في الشرق كما هي في الغرب ولقد كان العرب يتحلون بدق الوشم في وجوه فتياتهن ولا يزالون إلى اليوم «يدقون» الرسوم تزينا وتبهرجا، وكان الوشم كثير الشيوع بين رجال البحرية البريطانية وهم يتفننون فيه تفننا غريبا؛ فتراهم يدقون البشرة بإبرة كهربائية فيها مادة ملونة، وقد كان طالع هذه الحرب سعيدا على محترفي مهنة دق الوشم؛ فإن الجنود أقبلوا عليهم ألوفا ألوفا يسمون سواعدهم وأذرعهم وصدورهم بالرسوم والكلمات التي يريدون أن تبقى ما بقيت أجسامهم في الوجود، ولم يقتصر الأمر على عامة الجنود بل تناول أبناء الأشراف والسيدات فصاروا يميلون إلى الوشم وأصبحت هذه العادة أكثر شيوعا في الحرب من كل زمان سابق. •••
كان الجنرال سرايل قائد جيوش الحلفاء في مكدونية راكبا «سيارته» لتفقد المواقع الحربية، وقد اعترضه الجندي الذي يخفر الطريق بين غوريتزا وفلورينا وأوقف السيارة ما لم يعط كلمة السر أو كلمة المرور المعهودة، وهي كلمة أو عبارة يلقنها الرؤساء للحرس ويأمرونهم بمنع أي كان من تجاوز الحدود العسكرية إلا إذا قل كلمة السر، ومما يدلك على شدة التدقيق والمراقبة العسكرية أن الجندي مع علمه أن المار هو القائد العام لم يتركه يمر حتى قال كلمة السر. •••
وهاك الآن مثالا من الذكاء الطبيعي الذي أوتيه الجندي البريطاني في ميدان الحرب؛ فقد خرجت دورية صغيرة تستطلع مواقع الأعداء في فرنسا فقتل ضابط الدورية وأصبح جنودها بدون قائد فأجمعوا على مواصلة التقدم وإتمام المهمة الخطيرة الشأن الذي أخذوها على عاتقهم، ولما توغلوا في أراضي الأعداء رأوا بطارية مدافع كانت مستترة في غابة وهي تطلق قنابلها من وسط تلك الغابة على جنود الحلفاء، فما كان من رجال الدورية إلا أنهم أحدقوا بالبطارية، وبينما الألمان منهمكون في إطلاق المدافع لم يدروا إلا ورصاص البنادق ينصب عليهم كوابل المطر فقتل منهم من قتل وخال الباقون أحياء أن الجيش البريطاني بأسره قد أحاط بهم؛ فأركنوا إلى الفرار وخلا الجو لرجال الدورية فعمدوا إلى المدافع ونزعوا منها بعض أجزائها وحطموها وعطلوا عملها، ثم عادوا من حيث أتوا وتركوا الألمان يقرعون سن الندم على غفلتهم ولات ساعة مندم. •••
لقد كان ولا يزال لملك الإسبان ألفونس الثالث عشر عمل يذكر في هذه الحرب، وعمله هذا ليس عدائيا للحلفاء أو للألمان بل هو عمل شريف يرمي إلى مقصد نبيل ومروءة وكرم أخلاق؛ فقد أخذ هذا الملك الديموقراطي على عاتقه أن يخدم المظلومين والمنكوبين في هذه الحرب فوقف نفسه وجيشا كبيرا من الكتاب والمحررين والمساعدين على النظر في الطلبات والشكاوى التي ترد عليه بالألوف من أقارب الجنود المتحاربين، وكل واحد يطلب طلبا فيجاب إلى طلبه في الحال كتابة، ذلك أن الملك ألفونس جعل نفسه وسيطا محايدا بين أقارب الأسرى من الحلفاء الذين في ألمانيا وأصحاب السلطة العسكرية الألمانية؛ فهو يقدم خدماته مجانا ويساعد مساعدة عظيمة في تفريج كرب أولئك التعساء، وقد اتصلت بنا أخيرا صورة كتاب أرسلته فتاة فرنسوية عمرها ثماني سنوات إلى ملك إسبانيا تنشده فيها أن ينظر في مسألة خالها الذي وقع في أسر الألمان، وأن أمها مريضة من جراء ما يلاقيه من مضض الجوع وسوء المعاملة فكتب ملك إسبانيا بخط يده إلى هذه الفتاة الفرنسوية ردا على كتابها يعدها بالنظر في شكواها ويطلب منها أن ترسل إليه المعلومات الكافية التي تمكنه من معرفة مقر خالها الأسير، إن حقيقة رفعة مقام الملوك لا تبدوا جليا للعيان ما لم يحنوا على من دونهم مقاما من بني الإنسان. ••• «أرسل قائد حملة الجمال في مصر 531 جمالا مصريا إلى المغرب الأقصى ليأتوا منه بالجمال، وفيما هم مسافرون في البحر المتوسط أغرقت باخرتهم بطربيد غواصة فسلم الجميع ما عدا ثلاثة منهم، والتقطت باخرة يونانية 32 منهم وجاءت بهم إلى بورت سعيد، أما الباقون فاتفقت لهم أمور غريبة عجيبة نذكرها هنا، وكانوا كلهم من داخلية مصر ولم يسبق لهم ركوب البحر، فلما أغرقت باخرتهم ركبوا زورقا كالباقين ولكن زورقهم انفصل في الليل عن الزوارق الباقية وتاه في البحر، وكان هؤلاء الرجال وحدهم وليس بينهم بحار أوروبي يرشدهم، وكأن ذلك لم يكفهم فثقب الزورق ودخله الماء ولم يكن لديهم ما يسدون الثقب به؛ فكان الواحد منهم يجلس على الثقب ليسده بجسمه وقضوا ثلاثة أيام ونصف يوم بلياليها حتى رأتهم بارجة بريطانية فنقلتهم إليها، وأكرمهم ضباطها وبحارتها أعظم إكرام وأطعموهم وألبسوهم ووصلت البارجة بهم إلى الإسكندرية، وحسب الجمالة لبساطتهم أن البارجة ستطالبهم بثمن الطعام فلما علموا أنهم لا يطالبون استغربوا أشد استغراب.» •••
اشتهر الجنود الأستراليون بالبسالة والجرأة والإقدام فهم لا يخافون ولا يجزعون، وقد صورت الصحف حادثة وقعت لجنود منهم كانوا مسافرين على النقالة «بلارات» ميممين جهة معلومة، فاقتفت غواصة ألمانية أثرها وأطلقت طوربيدها عليها، فأصابتها في وسطها وأركنت إلى الفرار، وابتدأت النقالة تغرق وصدر الأمر إلى الجنود أن يصطفوا على ظهر السفينة لابسين مناطق النجاة فصدعوا بالأمر كأنهم في عرض عسكري مع أن السفينة كانت تغرق والمياه تدخل إلى جوفها، وجعل البحارة ينزلون الجنود إلى زوارق الجنود جنديا جنديا كل واحد على حدة بكل هدوء ونظام، ولم يكن ثم خوف يداخل جنديا منهم، بل كان معظمهم غير عابئ بالخطر المحدق به؛ فكانوا يدخنون كالمعتاد، ويتسامرون بالأحاديث ويضحكون، وقام بينهم جندي ظريف فصاح: «النقالة تباع بالمزاد على أونا على دوى على.» فدفع جندي ثلاثة بنسات وزاد آخر عليه، وما زال ثمنها يزاد إلى أن بلغ شلنين وتسعة بنسات، وبهذه الطريقة الفكاهية نزل جميع الجنود من نقالتهم إلى زوارق النجاة غير مكترثين للخطر الذي كان يحدق بهم وهم على السفينة، وقد صدر بلاغ وزارة البحرية البريطانية مشيرا إلى غرق النقالة بلارات وما أبداه الجنود الأوستراليون الذين كانوا فيها من رباطة الجأش والبسالة وحسن القيادة العسكرية، مما أثبت مرة أخرى ما عرف واشتهر عن تقاليد أولئك الرجال الذي يجري في عروقهم الدم البريطاني. •••
كثر الكلام في الجرائد عن «خط هندنبرج» أي خط الجيش الألماني الذي يقوده المرشال هندنبرج، وقد تناول مصور إنكليزي هذه العبارة وصورها صورة هزلية رامزا بها، فقال: «إن خط هندبرج إنما هو خط سكة الحديد الذي اتفقت على مدة شركة مقاولة العم جون بول (بريطانيا العظمى مع فرنسا) وسمي خط هندنبرج لأنه الخط الذي سيقصم ظهر هندنبرج فيمتد من لندن إلى باريس إلى برلين ويعرف فيما بعد بخط الحلفاء.» •••
من أخبار أبناء عمنا ينكي الأمريكان في هذه الحرب أنهم لما نزلوا إلى ساحات القتال في الميدان الغربي وابتسم لهم ثغر النصر على جيوش الألمان كانوا إذا أغارا على أحد الخنادق أو هجموا على فصيلة من جنود الألمان وأسروا أحدا منهم لا يأمنون له فيصرخون به أن ارفع يديك واخلع بنطلونك فيفعل، ثم يتقدمون إليه ويفتشون في جيوبه ليأمنوا خدعة منه والحرب خدعة كما يقال، ثم إذا وجدوا معه أوراقا أو مذكرات لها علاقات بأسرار العدو من هجوم وتقهقر أخذوها من الأسير وأرسلوه إلى محلة الأسر خالي الوفاض بادي النفاض. •••
نشرت الصحف المصورة ما وقع فعلا في ساحة القتال يوما إذ ترجل الضابط فردريك أليوت هو تبلوك من فرقة المخابرات في الجيش البريطاني وسار أمام النقالة المدرعة المعروفة بالتانكس يقودها إلى مواقع الأعداء، ويرشدها إلى الأماكن التي يجب أن تقتحمها، وكان الأعداء يمطرونه وابلا منهمرا من رصاص بنادقهم، ولكن العناية صانته فلم يصب بأذى بل ظل سائرا أمام الدبابة النقالة إلى أن بلغ بها حافة خنادق الألمان. •••
Bog aan la aqoon