وقد قص علي حكايته بعبارات بسيطة، فقال إنه بلغ الخامسة عشرة من عمره وهو ابن بستاني كان يعمل مع والده في بستانه في سنيلس فمر الآلاي الثاني والتسعون بهما، ولما رأى الولد الجنود رمى معوله وتبعهم فاندس بينهم وغافل موظفي المحطة فدخل القطار الذي أقل الآلاي إلى الحدود الشرقية، ولما افتضح أمره أعجب رجال الآلاي به وتبنوه، ثم خاطوا له بذلة عسكرية صغيرة فلبسها والفرح يكاد يطير لبه.
واتفق وهو في وفنتنوي أنه التقى ببنت صغيرة استحوذ عليها الرعب، فأخبرته أن بعض الجنود الألمان دخلوا بيت أمها فعاد غستاف إلى الآلاي وجاء ببندقية وحربة وكمية من الخرطوش، وقال للبنت دليني على البيت.
ولما وصلوا سأل الأولاد قائلا: أين الألمان؟ فأجابوه وركبهم تصطك خوفا أنهم في الدور العالي يشربون كل ما في المنزل من الخمر فأسرع إلى حيث دلوه وفتح الباب فوجد سبعة جنود ألمان، وقد أخذت الخمرة تلعب برءوسهم فصوب بندقيته إليهم وأمرهم أن يقفوا وينزلوا أيديهم إلى أجنابهم ويمشوا أمامه وتوعد من يخالفه بالموت فأطاعوا وبعد قليل أبصر جنود الآلاي غستاف عائدا وأمامه سبعة جنود ألمان منكسي الرءوس وهو مستعد لهم ببندقيته.
ولما درى قائد الآلاي بما فعل غستاف عينه جنديا في الآلاي، وخرج بعد ذلك بيومين مع فصيلة للاستكشاف فأصيب برصاصة في كتفه وأرسل إلى المستشفى في باريس، ولما التأم جرحه عاد إلى مستودع الآلاي وقدم نفسه طالبا الرجوع إلى ميدان الحرب فشفقوا على صباه وأبوا عليه السفر ولكنه انسل إلى قطار كان يستعد للسفر بفصائل الجنود إلى الشمال فلم يره أحد لأنه اختبأ في القش الذي كان في مركبات المواشي، ولما وصل قدم نفسه إلى الكولونل وشرح له حكايته فرثي الكولونل له ولم يشأ أن يرده خائبا فألحقه بأحد البلوكات.
وبعد ذلك بثلاثة أيام أمر الآلاي بالنزول إلى الخنادق فذهب غوستاف مع جنود بلوكه وكان يتمنى أن يصدر إليهم الأمر بالحملة على «البرابرة» ولم يطل الزمان حتى تحققت أمانيه؛ فإن الأمر صدر بالهجوم، وكان غستاف في مقدمة الجنود غير مبال بالقنابل والرصاص ولا بالقتلى والجرحى الذين كانوا يسقطون في حومة الوغى حوله، وظل هاجما وهو يصيح «فلتحي فرنسا» حتى بلغ خندق العدو وهو يطعن ذات اليمين وذات الشمال واحتل الفرنسويون خنادق الألمان، ولكن غستاف أصيب برصاصة في صدره، وانفجرت قنبلة بجانبه فقذفته في الجو وسقط، فكسر بعض أضلاعه ولكن شجاعته لم تفارقه، فقال للذين حملوه: «هذا حسن وأنا سعيد جدا.»
وزاره الكولونل تلك الليلة في المستشفى ورقاه إلى رتبة أنباشي قائلا: أنت الآن أنباشي فرنسا الصغير الثاني (إشارة إلى نبوليون الأنباشي الصغير الأول) والجيش يفتخر بك .
وشفي غستاف من جروحه وعاد إلى آلايه، وقبل ذهابه أخذه الجنرال جاليتي قائد موقع باريس إلى أحد المخازن الكبيرة؛ حيث اشترى له صندوقا من القطرات فإن أحب شيء لغستاف بعد الحرب التلهي بتسيير القطرات.
ولما سئل عن الجنود البريطانية مدحها، وقال إنه التقى ببعضها بجوار إيبر فأعطوه لحما ومربى ودخانا وسائر ما طلب، وقال: «إن طعام الجنود الإنكليزية أفخر من طعام الجنود الفرنسوية.»
ومن الذين عرفهم غستاف وصافحهم ملك البلجيك والبرنس «أوف ويلس» ويقال إنه سينعم عليه قريبا بالمدالية العسكرية اعترافا ببسالته وحسن خدمته (ولا ريب أنه يستحق ذلك). •••
ضابط روسي ينجو مرتين من الإعدام: أرسل هذا الضابط إلى قرية «ملانا» في بروسيا الشرقية لاستطلاع قوة العدو وتقدير عدد جنوده، فتزيا بزي الفلاحين، وقصد تلك القرية حيث تظاهر أنه ولد من أولاد المزارعين إلى أن اشتبه في أمره بائع فوشى به إلى السلطة العسكرية وألقي القبض عليه، ثم سيق إلى المحاكمة أمام ملازم بروسي، وكان هذا الملازم صغير السن كبير النفس حسن البزة على عينه اليسرى زجاجة ينظر من ورائها نظرة المتغطرس المعجب بنفسه، وبيده منديل تفوح منه الروائح الطيبة، فأمره أن يخبر عما يعلمه من أمر الجنود الروسية المرابطة في ضواحي البلد، ولما سمعه يقول إنه لا يعلم شيئا عنها حكم عليه بالإعدام رميا بالرصاص في صباح اليوم التالي.
Bog aan la aqoon