المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
أيام مولانا الملك المؤيد. العالم العادل المسدد. ولي النعم أبي العباس خوارزم شاه. أدام الله تعالى سلطانه. وحرس عزه ومكانه. مواقيت الشرف والفضل. وأوقاته تواريخ الكرم والمجد. وساعاته مواسم الأدب والعلم. وأنفاسه نعم. وأقواله نعم. وأفعاله سير. وآثاره غرر. وألفاظه درر. ومعاليه تباهي النجوم ارتفاعا. ومكارمه تضاهي الجو اتساعا. ومحاسنه تباري الشمس ظهورا. وفضائله تجاري القطر وفورا. فالله يديم جمال الزمان ببقائه. وكمال العز والرفعة ببهائه. ويمطر العدل والاحسان باطلة مدته. ويصرف السوء عن مهجته. وحين خرج الامر العالي لا زال نافذا عاليا. وقدرا جاريا. إلى عبده المخلوق لخدمته. المسمى عبد الملك لعبودية حضرته " بنثر النظم. وحل العقد " من مختار الشعر الذي يشتمل عليه الكتاب المترجم بمؤنس الأدباء. اتخذه العبد قبلة يصلي إليها. وقاعدة يبني عليها. واقبل على النثر الذي هو أشرف. وفي طريق الملوك والأكابر اذهب. وأصحابه أفضل. ومجالسهم أرفع. ولم تزل ولا تزال طبقات الكتاب مرتفعة عن طبقات الشعراء. فان الكتاب وهم السنة الملوك. إنما يتراسلون في جباية خراج. أو سد ثغر. أو عمارة بلاد. أو إصلاح فساد. أو تحريض على جهاد. أو احتجاج على فئة. أو تعزية في رزية. أو ما شاكلها من جلائل الخطوب. ومعاظم الشؤون. التي يحتاجون فيها إلى أن يكونوا ذوي آداب كثيرة ومعارف مفننة. وقد وسمتهم خدمة الملوك بشرفها. وبوأتهم منازل رياستها. واخطارهم عالية بحسب علو الخطر مما يفيضون فيه. ويذهبون إليه. والشعراء إنما أغراضهم التي يرمون. وغاياتهم التي يجرون إليها. وصف الديار والآثار. وذكر الأوطان والحنين إلى الأهواء والتشبيب بالنساء. ثم الطلب والاجتداء. والمديح والهجاء. ولانخفاض منزلة الشعر تصون عنه الأنبياء عليهم السلام. وترفع عنهم الملوك. قال الله تعالى لأكرم خلقه. وأمينه على وحيه. وما علمناه الشعر وما ينبغي له. ولما اخذ امرؤ القيس في قول الشعر وبلغ أباه حجرا الملك شعره انف منه ووبخه ووعظه وقرعه أن يعود لمثله. فلما رآه انه لايرعوى أمر بقتله فحامى عليه الخادم المأمور بذلك فاستحياه وأخفاه ثم اخبر حجرا بفعله . وضمن عن امرئ القيس التوبة من شعره. وقيل ليحيى بن خالد البرمكي لم لا تقول الشعر قال شيطانه اخبث من أن أسلطه على عقلي ولا خير في شيء أحسنه أكذبه. وكان أبو مسلم صاحب الدولة يقول إياكم والشعر فانه يهجو جليسه عند أدنى زلة. ويطلب على الكذب ارفع مثوبة. وقد افصح عبد الصمد بن المعدل عن حقيقة الحال في انحطاط رتبة الشاعر لاشتغاله بخلاف المراشد حيث قال لأبي تمام وقد قصد البصرة وشارفها
أنت بين اثنتين تبرز للنا ... س وكلتاهما بوجه مذال
لست تنفك طالبا لوصال ... من حبيب أو طالبا لنوال
أي ماء لحر وجهك يبقى ... بين ذل الهوى وذل السؤال
فلما بلغت الأبيات أبا تمام. قال صدق والله واحسن. وثنى عنانه عن البصرة وحلف أن لا يدخلها ابدا. وفي التبرم بصنعة الشعر يقول أبو سعيد المخزومي
الكلب والشاعر في حالة ... يا ليت أني لم اكن شاعرا
أما تراه باسطا كفه ... يستطعم الوارد والصادرا
" وقال أشعر أهل اصبهان أبو سعيد الرستمي "
تركت الشعر للشعراء أني ... رأيت الشعر من سقط المتاع
وقد جعلت هذا الكتاب المترجم بنثر النظم. وحل العقد. رسائل وفصولا. يتحلى أكثرها بالاسم العالي. ثبته الله مادامت الأيام والليالي. ورجوت أن لا اقعد تحت قول الصاحب أبي القاسم إسماعيل بن عباد
ألا إن حل الشعر رتبة كاتب ... ولكن منهم من يحل فيعقد
باب
فضائل الكتاب
وممادحهم وأوصاف آثارهم
" رسالة في حل قول أبي دلف العجلي
قوم إذا خافوا عداوة حاسد ... سفكو الدما بأسنة الأقلام
ولضربة من كاتب بمداده ... أمضى وأنفذ من غرار حسام
" وقول الآخر "
قوم إذا اخذوا الأقلام عن غرض ... ثم استمدوا بها ماء المنيات
Bogga 1