186

Nasraniyya

النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية

Noocyada

وما نقوله هنا إجمالًا عن هندسة الجوامع نستطيع أن نثبته أيضًا لكل قسم منها مفردًا كالمآذن والمنارات التي تقلدوا فيها الصوامع النصرانية وكالمنبر الذي مر لنا ذكره في باب النجارة وهلم جرا.
(الخطابة في المساجد) ومما استحدثه الإسلام الخطب الدينية في المجامع.
يروى لصاحب الشريعة الإسلامية بعض الخطب التي ألقاها في قومه يذكرهم ويحضهم على الأعمال الصالحة وغنما تقلد في ذلك ما وجده من العادات الجارية بين النصارى المجاورين له الذين كان أربابهم وكهنتهم يرشدون في الكنائس رعاياهم، وقد مر لنا فصل في الخطابة بين نصارى العرب في الجاهلية مع ذكر إمامهم المضروب فيه المثل قس بن ساعدة.
وكان منبر الخطابة بين النصارى رمزًا عن الرئاسة والسلطة الدينية، وكذلك اعتبره محمد والمسلمون بعده، فكان الخلفاء يرقونه أيام أيعاد والصلوات العمومية فيلقون منه الخطب كما كان يفعل أساقفة النصارى في كنائسهم، وقد سبق لنا (ص٣٧٥) ذكر العرش الذي أضافوه إلى المنبر وكان يجلس عليه محمد كما روى أبن الأثير في أسد الغابة وابن سعد في طبقاته، وكان ذلك على مثال العرش الذي يجلس عليه رؤساء الدين النصراني في كنائسهم.
وكذلك اعتاد الأساقفة إذا خطبوا أو صلوا صلاة عمومية أن يمسكوا بيدهم العصاة الرعوية المعروفة بالعكاز، وقد مر في خبر قس بن ساعدة أنه كان إذا خطب يتكى على عصا (وقيل على سيف) ومما رواه البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة (١: ١٣٥) ٤أن النبي أمر بحرية فتوضع بين يديه فيصلي إليها".
وللجوامع مآذن أو منارات يؤذنون منها بالصلاة، وهي أيضًا مما تقلد فيه المسلمون النصارى، فإن المسلمين كانوا يؤذنون أولًا بالصلاة على باب مساجدهم ثم علوا سطوحها للأذان أو أذنوا فوق أسوار المدن كما ورد في شعر الفرزدق قال (تاج العروس ٩: ١٢٠):
وحتَّى علا في سور كل مدينةٍ ... منادٍ ينادي فوقها بأذانِ
ثم تقلدوا أخيرًا صوامع الرهبان وهي قلالي محددة الطرف أو أبراج كان يسكنها الراهب لعبادته ويقرع منها الناقوس، فصارت المأذنة مرادفة الصومعة، ورد ذلك في كتب الأدباء كابي الفرج الأصبهاني في الأغاني (٢٠: ٨٥) إذ ذكر مآذنة المدينة فدهاعا أيضًا هناك بالصومعة وروى عن بعض الموسومين أنهم "كانوا يصفون المشايخ في الصوامع إذا أذنوا" وفي خطط المقريزي (٢: ٢٤٨) أن معاوية أمر مسلمة بن مخلد ببناء الصوامع للأذان في جامع فسطاط العتيق المعروف بجامع همرو قال "وجعل مسلمة للمسجد الجامع أربع صوامع في أركانه الربع.. وأمر أن لا يضرب بناقوس عند الآذان يعني الفجر"، وكذلك ورد في تاريخ الشيخ أبي صلح الأرمني (ص٥٤ ed، Evetts): "وكان فتوح مصر في المحرم سنة ٢٠ للهجرة ومن الصوامع ما هو باق إلى الآن جعلهم المسلمين مواذن (كذا) ".
(المجامر في المساجد والجنازات) معلوم أن النصارى في مناسكهم الدينية في الكنائس وفي جنازات موتاهم يضرمون المجامر ويحرقوزن البخور ويوقدون الشمع والمشاعل، قال الحسين بن الضحاك يصف كنيسة (البكري ٣٦٩):
بهجَّت أساقفها في بيت مذبحها ... أذكى مجامرها بالعودِ والنارِ
وقد روى الترمذي في صحيحه (١: ١١٦) عن محمد أنه كان يجمر المسجد قبل وفود الجماعة وذكر ابن الأثير في النهاية (١: ١٧٥) نعيمًا المجمر الصحابي قال "وهو الذي كان يلي إجمار مسجد رسول الله ﷺ "، وهكذا فعل الخلفاء الراشدون بعده ثم معاوية وبعض خلفاء بني أمية".
ومما ورد في كتاب تحقيق النصرة لأبي بكر المراغي أن عمر بن الخطاب عند رجوعه من غزوة الشام أتى "بمجرة من الفضة فيها تماثيل وكان يجتمر بها المسجد ثم توضع بين يدي عمر بن الخطاب" ومما ورد في تجير المسلمين للموتى ما ذكره ابن الأثير في أسد الغابة في معرفة الصحابة (٥: ٥٤٥) وابن حجر العسقلاني في الإصابة في تمييز الصحابة (٨: ١٨٧) عن مرضية الصحابية قالت: "أراكم تنكرون شيئًا رأيته يصنع على عهد رسول الله ﷺ رأيت الميت على رسول الله ﷺ يتبع بالمجمر".

1 / 186