المنزلة الثالثة:
وإذ انتهيت إلى هذا المقام، فللنسخ شرائط أمهاتها ستة:
الأول: أن يكون شرعيا غير عقلي، فإن الموت لا ينسخ التكليف مثلا.
الثاني: أن يكون منفصلا غير متصل، ونحن نعلم أنه لما قال: ﴿ثم أتموا الصيام إلى الليل﴾ لم يكن نسخا. فلا خلاف فيه إذا كانت الغاية معلومة كما قدمنا. فإن كانت مجهولة كقوله تعالى: ﴿حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا﴾، فاختلف الناس فيه: هل هو نسخ او لا؟ والصحيح أنه نسخ، لأن معاني النسخ فيه موجودة وقد بيناه في الأصول.
الثالث: أن يكون المقتضى بالمنسوخ غير المقتضى بالناسخ حتى لا يكون منه البدل، ولذلك قال كثير من علمائنا: إن النسخ هو النص (الدال) على أن مثل الحكم الثابت بالنص المتقدم زائل (في الاستقبال) على وجه لولاه لثبت. وقال "أبو المعالي": النسخ ظهور ما ينافي شرط استمرار الحكم، فقوله: افعل، طلب إلا أنه مشروط في المعنى بأن لا ينهى عنه. وحقيقة النسخ إنما تصادف (الظاهر) في اعتقادنا، فأما (عند الله) فالأمر أولا وآخرا على ما ظهر.
الرابع: أن يكون الجمع بين الدليلين غير ممكن.
الخامس: أن يكون الناسخ في العلم والعمل مثل المنسوخ، وذلك مما اختلف الأوائل فيه، وسنبينه (في موضعه) إن شاء الله تعالى.
السادس: معرفة (المتقدم من المتأخر).
2 / 1
المنزلة الرابعة:
وكذلك ليس من شرطه أن يكون إلى بدل، خلافا لما ظنه قوم من المقصرين في ذلك لقول الله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها). فإن ذلك مفهوم (حسب) ما يأتي، إذ ترك البدل (كثير) فقد نسخ الله ترك تقديم الصدقة في النجوى (ونسخ التربص حولا كاملا بالنص) على أربعة أشهر وعشرا. كل ذلك إلى غير بدل. ولكنه قد يكون النسخ إلى بدل وهي:
المنزلة الخامسة:
وهو على خمسة أوجه:
الأول: أن الله تعالى نسخ وجوب ثبوت العشرة للمائة في القتال، إلى ثبوت الواحد للأثنين، وبقي ثبوت العشرة ندبا، أو مباحا، أو ممنوعا، على ما يأتي بيانه إن شاء الله.
الثاني: نسخ قيام الليل بالصلوات الخمس على قول، أو (وضع) الندب موضع الوجوب على (آخر).
الثالث: نسخ التخيير (بالإلزام) في الصوم.
2 / 2
الرابع: نسخ القبلة بالقبلة.
الخامس: نسخ التحريم بالإباحة في المباشرة من بعد النوم، والفطر إلى الفطر الآخر، وكذلك زيارة القبور بعد المنع من زيارتها لقوله ﷺ: "إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فالآن زوروها ولا تقولوا هجرا" وكذلك بإباحة لحوم الأضاحي مدخرة، بعد النهي عن ادخارها. وليس من شرطه وهي:
المنزلة السادسة:
أن يعلم أن الأخف قد نسخ بالأشد، لما يعلم الله ذلك، فإن قيل: وكيف هذا؟ قلنا قد ينسخ التخيير في الصوم بالإلزام. فإن قيل: فقد قال الله تعالى: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ قلنا: اعتراض على الله الذي لا يُسأل عما يفعل. فإن قيل: إنما هو سؤال إيضاح مشكل، وتأليف متعارض، قلنا: إلزام الصوم لا حرج فيه، والتخيير دونه، فانتقل عما لاحرج فيه إلى ما لا حرج فيه.
المنزلة السابعة:
إذا انتهى بدء التنزيل إلى هذه المنزلة فلا بد من معرفة الناسخ بعد معرفة النسخ، والناسخ فاعل من نسخ، وذلك بالحقيقة لله وحده. زكون كلامه ناسخا مجاز ثان للحقيقة، وكون الشيء المخبر عن الكلام ناسخا مجاز ثالث لهما وجاز إطلاقه على غير الله مع معرفة الحقيقة، قصدا إلى تعريف البيان، وإذا عرفتم فأقسامه أربعة:
الأول: كتاب ينسخ كتابا.
الثاني: سنة تنسخ سنة.
الثالث: كتاب ينسخ سنة.
الرابع: سنة تنسخ كتابا.
2 / 3
والكل من عند الله ينسخ بعضه بعضا. وقيل عن قوم "إنه لا ينسخ الكتاب إلا الكتاب، ولا تنسخ السنة إلا السنة، إذ لا ينسخ الشيء إلا بمثله". وأجل من حُكِيَ عنه ذلك الشافعي في صحيح أقواله، وغاية متعلقهم شيئان: أحدهما أن الرسول ﷺ كان له أن يجتهد واجتهاده واجب الإتباع. فلا يجوز أن يبين الرسول باجتهاده ما يخالف الكتاب.
أما الثاني (في) قوله أن الكتاب لا ينسخ السنة فإن فيه تقرير الرسول ﷺ على الخطأ ما بين العمل بالسنة ثم ورود الكتاب بعدها. وهذا ضعيف جدا. إنما الكل من عند الله (وقد) استوت في العلم، فالعمل بها واجب (وإن اختلفوا في) خبر الواحد (كأن) يأتي خبر الواحد بخلافه فإن الاجماع قد انعقد على أن القرآن لا ينسخ به (...) وقد ظن قوم أن السنة نسخت القرآن في الوصية
2 / 4
للوالدين والأقربين. نسختها السنة. قلنا: ما نسختها غلا آية المواريث على ما نبينه. وكذلك قالوا: الامساك في البيوت قرآن نسختها الرجم سنة، وقد قال قوم: نسختها آية الرجم ثم نسخ لفظها وبقي حكمها، كما قال عمر ﵁، وكذلك قوله تعالى: ﴿وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم﴾، مثله، على ما يأتي بيانه إن شاء الله. ونسخ الإجماع من هذا القبيل فإن الإجماع إما أن يكون عن خبر أو عن نظر، والنظر لا يرفع النص والخبر قد يظهر وقد يطمسه الإجماع.
المنزلة الثامنة:
فإذا تقرر النسخ فقد ينسخ الحكم مع بقاء التلاوة، ويجوز نسخ التلاوة ويقاء الحكم، ومنعته المعتزلة، وقالوا: كيف ينسخ الأصل ويبقى الفرع؟ قلنا: الحكم وإن ثبت بالتلاوة، إذا استقر ساوى كل حكم ثبت بغير نص، ومنها نسخ الحكم مع بقاء التلاوة ومنها نسخ ما ليس متلوا بما ليس بمتلو، كقول عائشة ﵂ (كان مما أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس رضعات معلومات) إلى أقسام كثيرة أعدادها نضعها في مواضعها.
وقد ينسخ الأمر أصلا فلا يبقى له ذكر لا في اللفظ ولا في المعنى. فقد روي عن أبي موسى الأشعري أنه قال: إن سورة نحوا من التوبة نزلت ثم رفعت. فهذه منازل النسخ الثمانية التي يتنزل المرء فيها، وتعرض بعد هذا مغالطات نبهنا عليها في كتب الأصول، أمهاتها خمس:
2 / 5
المغالطة الأولى:
قول طائفة إن الناس اختلفوا في الزيادة على النص هل هي نسخ أو لا؟ ولا شك في أنها نسخ وقد بيناها في أصول الفقه، وفي تصويرها عسر وستراه في موضعه إن شاء الله. والذي يحقق ذلك أن الأجزاء دون الزيادة حكما ثم طرأ على الأجزاء زيادة نفته فكانت نسخا.
المغالطة الثانية:
زيادة الشرط في الشيء هل يكون نسخا أولا يكون نسخا؟ وإنما يكون نسخا كزيادة الإيمان في وصف رقبة الظهار تخصيص لا نسخ. وقد بينا الفرق بين التخصيص والنسخ. وكذلك النقصان نسخ وقد بيناه في الأصول، وكل ما تسمع فيه من التطويل ليس وراءه تحصيل.
المغالطة الثالثة:
متى يثبت حكم النسخ: إذا نزل أو بلغ المكلف؟ ولا شك أن حكمه إنما يثبت مع البلوغ فأما قبل ذلك فلا مؤاخذة به سمعا وإن جازت عقلا ولم يرد بذلك سمع فبقينا على أصل النفي.
2 / 6
المغالطة الرابعة:
ظن قوم أن الإجماع نسخ في نفسه وينسخ به، ولا يتصور ذلك فيه لأنه لا دليل يستقر بعد الوحي. فإن قيل: فإذا أجمعت الأمة على قول من قولين تقدما في القرن السابق؟ قلنا: لا يكون نسخا لأن من يقول بأن الخلافلا يرتفع به قد بان ذلك فيه، ومن قال يرتفع الخلاف لم يكن هذا من باب النسخ، فإن الاجتهاد كان سابقا وتردد النظر على قولين ثم انحذف أحد الاجتهادين وبقي الثاني. ولو كان صحيحا لكان القياس نسخا عند النظر به أو فيه، ولا يصح ذلك لجواز الرجوع في كل حال عنه وإنما هي فسحة أذن الشرع فيها ورحمة خص هذه الأمة بها، وضوعف (الأجر) لها عليها.
المغالطة الخامسة:
ظن قوم أن النسخ في جميع القرآن ([طمس]) وهو باطل والذي أوقعهم فيه قوله تعالى: (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك). وهذه الآية من المشكلات وقد استوفينا النظر فيها في كتابها ولبابه أن المعلومات على أقسام فيما يتعلق بغرضنا هذا:
منها المحال كاجتماع الضدين.
ومنها خلاف المعلوم الذي وقع الإخبار بعلم الباري فيه وعنه.
ومنها الجائز المطلق الذي لم يتعلق علم عندنا في علمنا به.
فأما المطلق إذا علقت به الإرادة فقال ربنا: لو شئت لكان كذا، فهذا مطلق وإرادة مطلق ومعنى موضح لا إشكال فيه. وإذا علق الإرادة سبحانه بالمحال المعلوم الذي أخبر به، فذلك المشكل الذي يفسره التأويل كقوله تعالى: ﴿لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه﴾ فهذا إن حمل اللفظ فيه على الولد حقيقة كان تقديره: لو أراد الله أن يتخذ ولدا حقيقة لاتخذه.
2 / 7
وذلك لا يتصور فيؤول القول إلى أن معناه لو أراد الله مالا يتصور ولا يصح أن يوجد لوجد فكان ينفي أول الكلام آخره ولا يبقى له معنى، ولو كان معناه لو أراد الله أن يتبنى ولدا لاصطفاه من خلقه باستحالته وتبين بأخباره أن ذلك لا يكون.
وهذا القدر هو الذي جهله المبطلون فقالوا: إن الله قادر على أن يجعل له ولدا.
سبحانه وتعالى عما يقولون. وكقوله تعالى: ﴿ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك﴾ إذ كان جائزا ألا يبعث رسولا وإذ بعثه فقد كان جائزا أن يذهب به وبما أرسله به، ولكنه قد أخبر سبحانه أنه لا يفعل ذلك وأبان أنه مبعوث بالرحمة إلى يوم القيامة، فامتنع ذلك بخلاف المعلوم فعلق الارادة به جائز في ذاته وامتناعه من جهة الخبر ظاهر بوروده. ومن أراد الشفاء من داء الغوامض فعليه بكتابها والله الموفق.
وإذ قد بلغ القول إلى هذا المنتهى فلنشرع بعد بعون الله في بيان أعداد الآي المنسوخة والمخصوصة على ترتيب السور كما وعدنا إن شاء الله تعالى، مع ما يتبعها من عوارض ولواحق بحول الله تعالى.
2 / 8
﴿سورة البقرة﴾
مدنية بإجماع ومعرفة المدني من المكي أمر عسير لم تبلغ إليه معرفة العلماء على التحقيق ولا ثبت فيه النقل على الصحيح. وإنما أراد الله أن يكون كذلك في سبيل الاحتمال حتى تختلف بالمجتهدين الأحوال، وأمثل ما تحصل لي في ذلك ما أورده على خلافه.
ذكر ما نزل من القرآن بمكة.
روى محمد بن علي عن أبيه: نزل بمكة: أربع وثمانون سورة وسائره بالمدينة، وعن ابن المسيب نحوه، وقال القاسم بن محمد عن عائشة ﵂: نزلت بمكة ست عشرة سورة قبل الهجرة: (اقرأ باسم ربك، ون والقلم، وتبت يدا أبي لهب، والكوثر، والأعلى، وألم نشرح، والفجر، ولم يكن الذين كفروا، وعبس وتولى، وإنا أنزلناه في ليلة القدر، والرحمن والجن، ويس، ومريم،
2 / 9
والواقعة). وقال مجاهد (نزل بمكة خمس وثمانون سورة. اقرأ باسم ربك، ثم ن والقلم، ثم يا أيها المزمل، وآخرها بطريق مكة ــ ثم تبت يدا، ثم الأعلى، ثم ألم نشرح لك صدرك، ثم العصر، ثم الفجر، ثم الضحى، ثم الليل إذا يغشى، ثم العاديات ضبحا، ثم الكوثر،ثم ألهاكم، ثم أرأيت، ثم قل يا أيا الكافرون، ثم الفيل، ثم قل هو الله أحد، ثم قل أعوذ برب الفلق، ثم قل أعوذ برب الناس، ويقال إنها مدنية ــ ثم عبس، ثم إنا أنزلناه في ليلة القدر، ثم الشمس وضحاها، ثم والسماء ذات البروج، ثم والتين والزيتون، ثم لإيلاف قريش، ثم القارعة، ثم لا أقسم بيوم القيامة، ثم ويل لكل همزة، ثم المرسلات، ثم ق والقرآن المجيد، ثم لا أقسم بهذا البلد، ثم الرحمن، ثم قل أوحي، ثم يسن، ثم (الفرقان)، ثم ص، ثم المدثر، ثم تبارك، ثم الحمد لله فاطر، ثم سائر الملائكة، ثم مريم، ثم طه، ثم الشعراء، ثم طس، ثم القصص، ثم بني اسرائيل، ثم هود، ثم يونس، ثم يوسف، ثم سبأ، ثم الزمر، ثم الحجر، ثم الصافات، ثم لقمان ــ آخرها مدني ــ ثم الأنبياء، ثم حم المومن، ثم حم السجدة، ثم حم عسق، ــ منها آي مدني ـثم حم الزخرف، ثم حم الدخان، ثم حم الشريعة ثم الأحقاف - (فيها) مدني _ثم
2 / 10
الذاريات، ثم الغاشية، ثم الكهف، ثم الأنعام، ثم النحل ــ آخرها مدني ــ ثم سورة نوح، ثم سورة إبراهيم، ثم سورة المؤمنون، ثم التنزيل السجدة، ثم الطور، ثم سورة الملك، ثم الحاقة، ثم المعارج، ثم عم يتساءلون، ثم النازعات، ثم الانشقاق، ثم البروج، ثم العنكبوت، ثم ويل للمطففين ــ ويقال إنها مدنية ــ ثم اقتربت، ثم الطارق. انتهى كلام مجاهد بلفظه.
قال القاضي أبو بكر ﵀: هذا الذي قاله الراوي عن مجاهد. أو مجاهد، لا سبيل إلى علمه، وفيها ما صح فساده، فإن الصحيح قد نقل أن الذي نزل من القرآن أولا إما القلم وإما المدثر إحداهما تالية الأخرى وثانيتها، فكيف تجعل هاهنا بعد كثير من سور القرآن؟ وليتنا علمنا ما نزل بالمدينة فكيف بنا أن نعلم ترتيب النزول واحدة بعد أخرى؟ هذا ما لا سبيل لمعرفته إلى أحد وقد روي عن أم (عامر) الأشلية ﵂ قالت: "قرأت (قبل) أن يقدم رسول الله ﷺ من مكة للهجرة احدى وعشرين سورة. قلت ماهن؟ قالت: سورة مريم، وطه، وعبس وتولى، وإنا أنزلناه في ليلة القدر والشمس وضحاها، والسماء ذات البروج، والتين والزيتون، ولإيلاف قريش، والقارعة، ولا أقسم بيوم القيامة، وويل لكل همزة، والمرسلات، وق والقرآن، ولا أقسم بهذا البلد، والرحمن، وتبارك الذي بيده الملك، ويوسف حم المومن، وحم السجدة، وحم عسق، وحم (الجاثية)، وثبت عن عبدالله بن مسعود ﵁ أنه قال: " الكهف وبنو اسرائيل، وطه، وسورة الأنبياء، من تلادي الأول".
2 / 11
وروى كريب عن ابن عباس ﵁ أنه قال: "وجدنا في كتاب ابن عباس ــ وكان الكتاب عند كريب ــ أول ما نزل من القرآن بمكة: اقرأ باسم ربك، والليل إذا يغشى، ون والقلم، ويا أيها المزمل، ويا أيها المدثر، وتبت يدا أبي لهب، وإذا الشمس كورت، والأعلى، والضحى، وألم نشرح، والعصر، والعاديات، والكوثر، والتكاثر، والدين، والكافرون، والفيل، ثم الفلق ثم الناس، ثم قل هو الله أحد، ثم النجم، ثم عبس، ثم القدر، ثم الشمس وضحاها، ثم البروج، ثم التين والزيتون، ثم قريش، ثم القارعة، ثم لا أقسم بيوم القيامة، ثم ويل لكل همزة، ثم والمرسلات عرفا، ثم قاف والقرآن المجيد، ثم البلد، ثم الطارق، ثم اقتربت الساعة، ثم ص، ثم المص، ثم قل أوحي إلي، ثم يس، ثم الفرقان، ثم فاطر، ثم مريم، ثم طه ثم الواقعة، ثم الشعراء، ثم النمل ثم القصص، ثم بني اسرائيل، ثم هود، ثم يوسف، ثم الحجر، ثم الأنعام، ثم الصافات، ثم لقمان، ثم سبأ، ثم الزمر، ثم (المومن)، ثم السجدة ثم حم عسق، (ثم) حم الزخرف، ثم حم الدخان، ثم الجاثية، ثم الأحقاف، ثم الذاريات ثم الغاشية، ثم الكهف، ثم النحل ثم نوح، ثم ابراهيم، ثم الأنبياء، ثم (المومنون)، ثم تنزيل السجدة، ثم الطور، ثم تبارك الذي بيده الملك، ثم الحاقة، ثم سأل سائل، ثم النبأ، ثم النازعاتو ثم إذا السماء انفطرت، ثم ويل للمطففين.
ذكر ما نزل بالمدينة:
قال: "كريب" في كتابه عن ابن عباس ﵁: " نزل على رسول الله ﷺ حين هاجر: البقرة: والأنفال، وآل عمران، والأحزاب، والمائدة، والممتحنة، والنساء، واذا زلزلت، ثم الحديد، ثم الذين كفروا، ثم سورة الرعد، ثم الرحمن، ثم﴾ هل أتى على الأنسان ﴿ثم الطلاق، ثم﴾ لم يكن الذين كفروا ﴿ثم الحشر ثم﴾ إذا جاء نصر الله ﴿، ثم سورة النور، ثم سورة الحج، ثم المنافقون، ثم المجادلة، ثم
2 / 12
الحجرات، ثم التحريم، ثم الجمعة ثم التغابن، ثم الحواريون، ثم ﴿إنا فتحنا لك﴾، ثم التوبة. فذلك ثماني وعشرون سورة". وكذلك يروى عن ابن الزبير ﵁: " نزل بالمدينة ثمان وعشرون سورة وسائرها بمكة". زاد عبدالله بن عياش بن أبي ربيعة: "والمائدة والممتحنة والحديد، والحج والرعد، واقتربت الساعة".
واتفق كثير من المفسرين على أن قوله تعالى: ﴿يا أيها الناس﴾ مكي وقوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ مدني. وروي عن ابن مسعود ﵁: قرأنا المفصل حججا ليس فيه: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾. وقال "يزيد بن رومان: ربما نزل أول السورة بمكة وآخرها بالمدينة. وسورة الأنعام بعضها مكي وبعضها مدني، وسورة النحل والتطفيف كذلك، وروي عن مجاهد في تعداد سور المدينة نحو مما قال كريب، وقد روي أن سورة الأنعام نزلت جملة ليلا على النبي " معها سبعون ألف ملك وخمسون ألف ملك لهم زجل وتسبيح، ولقد جمعت لها الشياطين وجاءني بها جبريل حتى أقرها في صدري كما يقر الماء في الحوض، ولقد
2 / 13
أعزني الله تعالى وإياكم بها عزا لا يذلنا بعه ابدا، فيها دحض حجج المشركين ووعد الله جل ثناؤه لا يخلفه".
ذكر آخر ما نزل من القرآن: قوله تعالى: ﴿اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي﴾ الآية. نزلت على النبي ﷺ بعرفة في حجة يوم الجمعة، وثبت أن آخر سورة نزلت التوبة، وآخر آية نزلت ﴿قل الله يفتيكم في الكلالة﴾ رواه البراء.
وثبت أنه روي عن عمرو بن العاص ﵁: آخر سورة نزلت المائدة.
وروي عن ابن عباس ﵁: " آخر آية نزلت: الربا "وقد ثبت ذلك ايضا من غير طريقة، وروى عن ابن عباس ﵁: آخر سورة نزلت سورة الفتح" ولم يصح.
مدرجة:
تعرض بعض المفسرون لتنويع السور في الناسخ والمنسوخ فقال: سورة الفتح، والحشر، والمنافقين والتغابن، والطلاق، والأعلى، ليس فيها ناسخ ولا منسوخ فهذه
2 / 14
ست. وسورة الأنعام، والأعراف ويونس، وهود، والرعد، والحجر، وبنو إسرائيل، والكهف، وطه، والمومنون، والنمل، والقصص، والعنكبوت، والروم، ولقمان، والمضاجع، والملائكة، والصافات، وص، والزمر، والمصابيح، والزخرف، والدخان، والجاثية، والاحقاف، وسورة محمد ﵇، والباسقات والنجم والقمر، والامتحان، ون، والمعارج، والمدثر، و(القيامة)، والإنسان، وعبس، والطلاق، والغاشية، و(التين)، والكافرون، فهذه أربعون سورة فيها منسوخ وليس فيها ناسخ. وأما البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، و(الأعراف الأنفال) والتوبة وابراهيم، والنحل، والأنبياء والحج والنور، والفرقان، والشعراء، والأحزاب وسبأ، والمومن والشورى، والذاريات، والطور، والواقعة والمجادلة، والمزمل، والكوثر، والعصر، فيدخلها الناسخ والمنسوخ.
قال القاضي أبو بكر بن العربي ﵀: وفي هذا تجاوز عظيم، سترى تحقيقها واردة على السور إن شاء الله، على مدارج كمدارج النجوم، جارية
2 / 15
على ما ينبغي معرفته فيها من العلوم، والذي علمناه على الجملة من القرآن في هذه الطريق، أن منه مكيا ومدنيا، وسفريا وحضريا، وليليا ونهاريا، وسمائيا أرضيا، وما نزل بين السماء والأرض، وما نزل تحت الأرض في الغار.
أخبرنا أبو بكر الفهري قرأته عليه: اخبرنا التميمي، أخبرنا هبة الله المفسر أنه قال: القرآن نزل بين مكة والمدينة إلا ست آيات لم تنزل في الأرض ولا في السماء: ثلاثة في سورة الصافات وهي قوله تعالى: ﴿وما منا إلا له مقام معلوم﴾ إلى آخر الثلاث الآيات، وواحة في الزخرف ﴿واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا، أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون﴾. والآيتان الآخرتان من سورة البقرة.
قال القاضي أبو بكر بن العربي ﵀: في صحيح مسلم عن ابن عباس قال: " بينا جبريل قاعد عند النبي ﷺ سمع نقيضا من فوقه فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليم فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يوتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته".
2 / 16
ذكر تعداد الآيات:
قال الإمام القاضي أبو بكر بن العربي ﵀: ذكر أصحاب التفسير في هذه السورة نحوا من ثلاثين آية، الداخل منها في قسم النسخ سبع آيات، ومنها في قسم المخصوص والمحكم ما بقي بعد هذا العدد.
الآية الأولى: ﴿قوله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خير الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف، حقا على المتقين﴾
قال علماؤنا وابن القاسم عن مالك": هذه الآية نزلت قبل الفرائض ثم أنزل الله الفرائض في المواريث فنسخت الوصية للوالدين ولكل وارث إلا أن تأذن الورثة في شيء فيجوز".
اتفق الكل على أنها منسوخة واختلفوا في ناسخها على أربعة أقوال:
الأول: أن ناسخها آية المواريث.
2 / 17
الثاني: أن ناسخها قوله تعالى: ﴿وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا﴾.
الثالث: أنه نسخها أن الله أعطى كل ذى حق حقه لا وصية لوارث.
الرابع: أنه نسخها بإجماع الأمة على إبطالها وأن الوصية لا تجوز لأحد ممن سمى الله له فرضامعروفا او جعل له النبي ﷺ حقا مفروضا.
قال القاضي أبو بكر بن العربي ﵀: قد بينا في شروط النسخ استحالة الجمع بين الدليلين، وشرطنا أيضا معرفة التأخر والتقدم، وليس بين آية الوصية وآية المواريث هاتين تعارض، ولا عندنا من معرفة المتقدمة منهما من المتأخرة أصل ولا سيما والوصية مشروعة لبعض الأقربين. وأما من قال إن ناسخها قوله تعالى في سورة النساء ﴿وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه﴾ فلا يصح لأنه لا مضادة بينهما أصلا. وقد (بينا) أن القسمة تكون بين الورثة فمن حضرها من غيرهم ففيهم تكون القسمة من ذي القربى وغيره.
وقد بيناه في الأحكام وأما من قال إنه نسخها (لا وصية لوارث) فنقول بذلك لو كان خبرا صحيحا متواترا حتى يماثل الناسخ المنسوخ ي العلم والعمل كما شرطناه بيد أنه ليس له في الصحة اصل، وأما من قال نسخها إجماع الأمة، فقد
2 / 18
اتفق علماؤنا على أن الإجماع لا ينسخ لأنه ينعقد بعد موت النبي ﷺ وتجديد شرع بعده لا يتصور. هذا الظاهر على الجملة، بيد أن فيه تفصيلا بديعا: وذلك أن الإجماع ينعقد على أثر ونظر، فأن كان ناسخا، ويكون الناسخ الخبر الذي انبنى عليه الإجماع، وهذه مسألتنا بعينها، فإن الأمة إنما جمعت رأيها على اسقاط الوصية للوالدين لقول النبي ﷺ لكنه درس وبقي الاجماع الممهد المقطوع بصحته. أما أنه قد بقي ما يدل عليه في الحديث الصحيح وهو قول النبي ﷺ (ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت القسمة فهو لأولى عصبة ذكر).
تكملة:
لما نسخت الوصية للوالدين بالمواريث بقيت الوصية فيمن لم يرث من القرابة مندوبا فنسخ من الآية حتم الوصية بالمال للقرابة ونسخ جوازها أصلا لمن يرث وبقي ندبها فيمن لا يرث وهذا تحقيق بالغ. فأما فرض الوصية على المسلمين فقد بيناها في موضعها والله أعلم.
2 / 19
الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين﴾ هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ لأن الله سبحانه فرض رمضان وأباح الفدية. يروى عن معاذ وغيره
قال: " ثم أوجب الله على الصحيح المقيم بقوله: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ وثبت الإطعام على من لم يطق الصيام إذا أفطر من كبر" وهو قول ابن عمر، وعكرمة، والحسن، وقتادة، ﵃ وروي عن عائشة ﵂ مثله وقرأته " وعلى الذين يطوقونه" وبه قال
2 / 20