Nasikh Wa Mansukh
الناسخ والمنسوخ من القرآن الكريم
Noocyada
وقال آخرون: إن آية الفرقان محكمة وهذه محكمة لم تنسخ إحداهما الأخرى، وكل من مات على غير توبة فهو من أهل الوعيد، وكل من تاب من شيء من الذنوب كلها وأخلص تاب الله عليه، وهذا قولنا وبه نأخذ، وقد زعم قوم: إن القاتل لا توبة له وإن تاب، وهم الذين قالوا: إن آية الفرقان نسختها الآية التي في النساء، وهذا عندي غير صواب؛ لأنه لا شئ أكبر من الشرك بالله ومن تاب من ذلك قبله الله، ومن ذلك: أن جماعة ممن كانوا أسلموا ارتدوا ورجعوا إلى مكة منهم: طعمة بن أشرف والحارث بن سويد بن الصامت ، ثم ندم الحارث فكتب إلى أخيه وكان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجلاس بن سويد إني قد ندمت وأني أشهد أن لا إله إلى الله وأن محمد رسول الله، فاسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل لي توبة؟ وإلا ذهبت في الأرض، فنزلت: ?كيف يهدي الله قوما كفروا... ?الآية [آل عمران:86] [34أ-أ] ؛ فكتب إليه أخوه أنه لا توبة لك عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فتب إلى الله حتى يجعل لك مخرجا، فأنزل الله تعالى بعد ذلك: ?إلا الذين تابوا من بعد ذلك... ?الآية [آل عمران: 89] ؛ فكتب إليه أخوه: إن الله قد أنزل توبتك فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واعتذر إليه، وتب إلى الله مما صنعته ففعل، وقبل منه [92/ب-ب] رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسمع ذلك الذين كانوا ارتدوا معه، فقالوا: ما نحن إلا كالحارث نقيم بمكة ونتربص بمحمد ريب المنون، فإن بدا لنا رجعنا إليه فقبل منا كما قبل منه، فأنزل الله تعالى: ?إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا... ?الآية [آل عمران:90] ، فأقاموا على الكفر حتى فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة فجاءه من كان بقي منهم فأسلم فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان قد مات بعضهم فأنزل الله تعالى: ?إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار... ?الآية [آل عمران:91] ، وتوبة القاتل المؤمن مقبولة إذا أقاد من نفسه فرجع عن خطيئته، وندم على فعله، واستغفر الله سبحانه لذنبه، وأناب إلى ربه، فقال سبحانه وتعالى: ?ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم? [الزمر: 53] ، وقال سبحانه: ?إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء? [النساء:48] فحرم الله المغفرة على [34ب - أ] من تاب على شركه، وأرجأ أهل الذنوب فلم يخص أحدا منهم بترك قبول توبته إذا تاب، وهذه آية مبهمة أخبر الله فيها عن قدرته وأنه يغفر ما يشاء لمن يشاء، غير أنه لا يشاء أن يغفر لأهل الكبائر الذين يموتون عليها، والذين قد انتضمهم الوعيد.
وقد بلغني من حيث أحب [65/2] أن هذه الآية التي في الفرقان نزلت من أجل قوم من المشركين قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا له: يا محمد، إن جميع ما تدعوا إليه لحسن، ولكن كيف نفعل بما مضى [93أ- ب] من كثرة ذنوبنا وقتلنا، من قتلنا فلوا أخبرتنا أن لما عملنا كفارة لأجبناك إلى ما تدعونا إليه، فنزلت الآية ?والذين لا يدعون مع الله إلها آخر... ?الآية [الفرقان:68] .
ولعمري أن من مات على غير توبة من أهل الوعيد، فأما ما احتج به من ذكرنا من الآية التي في النساء، وزعم أنها نزلت بعد ذلك بسبعة أشهر أو ستة أشهر، وزعم أن آية الفرقان مكية وآية النساء مدنية، فكل هذا عندنا على ما قد تقدم عليه قولنا، ولمن مات على غير توبة، والتوبة النصوح عندنا تغسل كل شيء، وعلى ذلك يوم الوعد والوعيد وهذا وجه الحق. والله أعلم. ولا يلتفت إلى ما ذكر من هذه الأخبار وناسخ وما ذكر ومنسوخه.
Bogga 124