يا إلهي! شهقت وكتمت شهقتي، لا، مستحيل! هذا غير معقول! يا لهذه المفاجأة العجيبة! أنا لا أصدق، طوال هذه المدة كان هو؟ خطوت لأفاجئهما بحضوري أنا أيضا، لكنني لم أفعل. تركتهما تحت الشجرة ينعمان بالسكينة والحب وعدت بدهشتي إلى أخيها سائر.
7
أقبل رمضان هذا العام بكثير من الحزن والكآبة، وكأنما سرقت منه البهجة، في بيتنا على أقل تقدير، ومع ذلك فقد اكتست حلب حلة بهية من روح رمضان الكريمة. ومع أن المساجد خفت كثيرا من المصلين، خاصة وقت صلاة التروايح الذي يأتي متأخرا، فإن الأمر ليلة السابع والعشرين كان مختلفا تماما؛ فقد جهزت أمي لي ولها سجادات الصلاة والشراشف قبيل العشاء ، ثم ذهبنا إلى جامع «أسيد بن حضير» البعيد عن بيتنا قليلا. ولما سألت أمي لم لا نصلي في جامع «عمار بن ياسر»، فقد اعتدنا عليه، ويمكننا الذهاب إليه مشيا؟ أجابتني: «إحياء ليلة القدر أجمل مع شيخ هذا المسجد.» وافقتها وذهبنا كلنا أنا وفاطمة وأمي وأبي، هذا هو الرمضان الأول الذي نقضيه بلا نادر! يا للتعاسة! بدا لي أننا وصلنا متأخرين مع أننا انطلقنا مع أذان العشاء؛ فقد امتلأت صفوف المسجد بالمصلين، وكذلك الساحات الخارجية حتى الشوارع، وبصعوبة تدبرنا مكانا لنا أنا وفاطمة وأمي.
وبدأنا الصلاة، كان صوت الإمام عذبا وتلاوته جميلة لولا أنه يسرع بطريقة غريبة، ولا يتلو سوى آية أو آيتين في كل ركعة، حتى إنه ضيع علي قدرتي على التركيز، وأنا أخمن متى سيركع. مرة قرأ:
والطور * وكتاب مسطور
وركع، وفي الركعة التالية قرأ:
في رق منشور
وركع! بالله عليك! هل تسمي هذه صلاة؟ وكذلك الركوع والسجود، صرت أقرأ التسبيحات والأدعية بشكل سريع حتى ألاحق الإمام، ولا تفوتني ركعة أو سجدة، شعرت أنني في رياضة «آيروبيك» وليس صلاة! أقسمت ألا أعود إلى هذا المسجد ثانية.
وأخيرا وصلنا لصلاة الوتر، وفي الركعة الأخيرة بدأ الإمام بالدعاء بطريقة هادئة، وشيئا فشيئا أخذت موجة الدعاء وكذلك صوته بالارتفاع مثل رياح عاتية سرعان ما تحولت إلى عاصفة هوجاء، وتعالت أصوات المصلين بالتأمين على الدعاء. الإمام يقول «يا الله.» رافعا بها صوته ومكبر الصوت يساعده في صم آذاننا، والمصلون يرددون «يا الله.» والدموع تتقاطر، والوجوه تبتل، والأيادي تمتد، والشهيق يعلو. الإمام يدعو بأعلى صوته والمصلون يقولون «آمين.» ثم شعرت بجلبة بجانبي وإذا بسيدة تسقط أرضا وهي تبكي وتضرب وجهها وصدرها! يا إلهي! ماذا دهاهم جميعا؟ جاهدت نفسي على الخشوع، على التركيز في الدعاء، على استشعار معاني أسماء الله القريب المجيب العفو الرحمن، لكنني لم أستطع، وعيناي متحجرتان تماما، لم لا أبكي مثل الجميع؟ هل هي ذنوبي التي حرمتني لذة المناجاة، كما أخبرتنا بذلك الآنسة مرة؟ أم ماذا؟ ثم لاحظت فاطمة جالسة على الأرض وهي تغلق أذنيها بيديها، لقد قطعت صلاتها، وأنهت الأمر.
انتهت الصلاة، فالتفت إلى أمي ووجدت وجهها مخضبا بالدموع، وكذلك جميع الحاضرات، وأنا في عالم غريب تماما عنهن. سحبتني أمي من يدي لتعرفني على زوجة أحد الدعاة المعروفين هنا في حلب، كانت النسوة متجمعات حولها، وبصعوبة تمكنا من الاقتراب منها. صافحتها وكذلك أمي التي طلبت منها أن تدعو لها بزيارة بيت الله الحرام، ثم تحدثت النسوة عن بركة زوجها الشيخ الذي يذهب كل عام إلى الحج. سألت السيدة زوجته: «وكم مرة ذهبت أنت؟» لا أدري لم تلون وجهها وابتسمت بارتباك وقالت: «لم يكتب الله لي الحج بعد.» فسألتها وقد عجبت لها: «ولماذا لا تذهبين مع زوجك؟ ألا يذهب كل عام؟» وإذا بأمي تدوس على قدمي، وتسحبني من يدي، أما السيدة فلم تجبني، بل استدارت من فورها وتركتنا!
Bog aan la aqoon