بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله الَّذِي كَانَ وَلَا مَكَان وَلَا إنس وَلَا جَان وَلَا طَائِر وَلَا حَيَوَان المتفرد بوحدانيته فِي قدم أزليته والدائم فِي فردانيته فِي قدس صمدانيته لَيْسَ لَهُ سمي وَلَا وَزِير وَلَا شبه لَهُ وَلَا نَظِير المقتدر بالخلق والتصوير الْمُتَصَرف بِالْمَشِيئَةِ وَالتَّقْدِير لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير لَهُ الرّفْعَة وَالْحَمْد وَالثنَاء والعلو والاستواء لَا تحصره الْأَجْسَام وَلَا تصَوره الأوهام وَلَا تقله الْحَوَادِث والأجرام وَلَا تحيط بِهِ الْعُقُول والأفهام لَهُ الْأَسْمَاء الْحسنى والشرف الأتم الْأَسْنَى والدوام الَّذِي لَا يبيد وَلَا يفنى نصفه بِمَا وصف بِهِ نَفسه من الصِّفَات الَّتِي توجب عَظمته وقدسه مِمَّا أنزلهُ فِي كِتَابه وَبَينه رَسُول الله ﷺ فِي خطابه ونؤمن بِأَنَّهُ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم السَّمِيع الْبَصِير الْعَلِيم الْقَدِير الرَّحْمَن الرَّحِيم الْملك القدوس الْعَظِيم
1 / 7
لطيف خَبِير قريب مُجيب مُتَكَلم شَاءَ مُتَكَلم شَاءَ مُرِيد فعال لما يُرِيد يقبض ويبسط ويرضى ويغضب وَيُحب وَيبغض وَيكرهُ ويضحك وَيَأْمُر وَينْهى ذُو الْوَجْه الْكَرِيم والسمع السَّمِيع وَالْبَصَر الْبَصِير وَالْكَلَام الْمُبين وَالْيَدَيْنِ والقبضتين والمقدرة وَالسُّلْطَان وَالْعَظَمَة والامتنان لم يزل كَذَلِك وَلَا يزَال اسْتَوَى على عَرْشه فَبَان من خلقه وَلَا يخفى عَلَيْهِ مِنْهُم خافية علمه بهم مُحِيط وبصره بهم نَافِذ وَهُوَ فِي ذَاته وَلَا يُشبههُ شَيْء من مخلوقاته وَلَا تمثل بِشَيْء من جوارح مبتدعاته بل هِيَ صِفَات لائقة بجلاله وعظمته لَا تتخيل كيفيتها الظنون وَلَا ترَاهَا فِي الدُّنْيَا الْعُيُون بل نؤمن بحقائقها وثبوتها وَنصف الرب ﷾ بهَا وننفي عَنْهَا تَأْوِيل المتأولين وتعطيل الجاحدين وتمثيل المشبهين تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ فَبِهَذَا الرب نؤمن وإياه نعْبد وَله نصلي ونسجد فَمن قصد بِعِبَادَتِهِ إِلَى إِلَه لَيست لَهُ هَذِه الصِّفَات فَإِنَّمَا يعبد غير الله وَلَيْسَ معبوده ذَلِك بإله فكفرانه لَا غفرانه وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله اصطفاه لرسالته وَاخْتَارَهُ لبريته وَأنزل عَلَيْهِ كِتَابه الْمُبين الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد ﷺ وعَلى آله وَأَصْحَابه أكْرم آل وَأفضل عبيد وَبعد فَهَذِهِ نصيحة كتبتها إِلَى اخواني فِي الله أهل الصدْق
1 / 8
والصفاء والاخلاص وَالْوَفَاء لما تعين على محبتهم فِي الله ونصيحتهم فِي صِفَات الله فَإِن الْمَرْء لَا يكمل إيمَانه حَتَّى يحب لِأَخِيهِ مَا يحب لنَفسِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن جرير بن عبد الله البَجلِيّ قَالَ بَايَعت رَسُول الله ﷺ على إقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة والنصح لكل مُسلم وَعَن تَمِيم الدَّارِيّ أَن النَّبِي ﷺ قَالَ الدّين النَّصِيحَة ثَلَاثًا قُلْنَا لمن يَا رَسُول الله قَالَ لله ولكتابه وَلِرَسُولِهِ ولائمة الْمُسلمين وعامتهم وأعرفهم أَيّدهُم الله بتأييده ووفقهم لطاعته ومزيده أنني كنت بُرْهَة من الدَّهْر متحيرا فِي ثَلَاث مسَائِل مَسْأَلَة الصِّفَات وَمَسْأَلَة الْفَوْقِيَّة ومسالة الْحَرْف وَالصَّوْت فِي الْقُرْآن الْمجِيد وَكنت متحيرا فِي الْأَقْوَال الْمُخْتَلفَة الْمَوْجُودَة فِي كتب أهل الْعَصْر فِي جَمِيع ذَلِك من تَأْوِيل الصِّفَات وتحريفها أَو إمرارها أَو الْوُقُوف فِيهَا أَو إِثْبَاتهَا بِلَا تَأْوِيل وَلَا تَعْطِيل وَلَا تَشْبِيه وَلَا تَمْثِيل فأجد النُّصُوص فِي كتاب الله وَسنة رَسُوله ناطقة مبينَة لحقائق هَذِه الصِّفَات وَكَذَلِكَ فِي إِثْبَات الْعُلُوّ والفوقية وَكَذَلِكَ فِي الْحَرْف وَالصَّوْت ثمَّ أجد الْمُتَأَخِّرين من الْمُتَكَلِّمين فِي كتبهمْ مِنْهُم من تَأَول الاسْتوَاء بالقهر والاستيلاء وَتَأَول النُّزُول بنزول الْأَمر وَتَأَول اليديدن بالنعمتين والقدرتين وَتَأَول الْقدَم بقدم صدق عِنْد رَبهم وأمثال ذَلِك
1 / 9
ثمَّ اجدهم مَعَ ذَلِك يجْعَلُونَ كَلَام الله معنى قَائِما بِالذَّاتِ بِلَا حرف وَلَا صَوت ويجعلون هَذِه الْحُرُوف عبارَة عَن ذَلِك الْمَعْنى الْقَائِم وَمِمَّنْ ذهب إِلَى هَذِه الْأَقْوَال أَو بَعْضهَا قوم لَهُم فِي صَدْرِي منزلَة مثل بعض فُقَهَاء الاشعرية الشافعيين لِأَنِّي على مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى عرفت مِنْهُم فَرَائض ديني وَأَحْكَامه فأجد مثل هَؤُلَاءِ الشُّيُوخ الأجلة يذهبون إِلَى مثل هَذِه الْأَقْوَال وهم شيوخي ولي فيهم الِاعْتِقَاد التَّام لفضلهم وعلمهم ثمَّ إِنَّنِي مَعَ ذَلِك أجد فِي قلبِي من هَذِه التأويلات حزازات لَا يطمئن قلبى إِلَيْهَا وَأَجد الكدر والظلمة مِنْهَا وَأَجد ضيق الصَّدْر وَعدم انشراحه مَقْرُونا بهَا فَكنت كالمتحير المضطرب فِي تحيره المتململ من قلبه فِي تقلبه تغيره وَكنت أَخَاف من إِطْلَاق القَوْل بِإِثْبَات الْعُلُوّ والاستواء وَالنُّزُول مَخَافَة الْحصْر والتشبيه وَمَعَ ذَلِك فَإِذا طالعت النُّصُوص الْوَارِدَة فِي كتاب الله وَسنة سوله أَجدهَا نصوصا تُشِير إِلَى حقائق هَذِه الْمعَانِي وَاجِد الرَّسُول ﷺ قد صرح بهَا مخبرا عَن ربه واصفا لَهُ بهَا وَأعلم بالأضطرار انه كَانَ يحضر فِي مَجْلِسه الشريف الْعَالم وَالْجَاهِل والذكي والبليد والأعرابي الجافي
1 / 10
ثمَّ لَا أجد شَيْئا يعقب تِلْكَ النُّصُوص الَّتِي كَانَ ﷺ يصف بهَا ربه لَا نصا وَلَا ظَاهرا مِمَّا يصرفهَا عَن حقائقها ويؤولها كَمَا تأولها هَؤُلَاءِ مشايخي الْفُقَهَاء المتكلمون مثل تأويلهم الاسْتوَاء بِالِاسْتِيلَاءِ وَالنُّزُول بنزول الْأَمر وَغير ذَلِك وَلم أجد عَنهُ ﷺ انه كَانَ يحذر النَّاس من الْإِيمَان بِمَا يظْهر من كَلَامه فِي صفة ربه من الْفَوْقِيَّة وَالْيَدَيْنِ وَغَيرهمَا مثل أَن ينْقل عَنهُ مقَالَة تدل على أَن لهَذِهِ الصِّفَات مَعَاني أخر باطنة غير مَا يظْهر من مدلولها مثل فوقية الْمرتبَة وَيَد النِّعْمَة وَغير ذَلِك وَأَجد الله ﷿ يَقُول ﴿الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى﴾ وَقَالَ ﴿خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش﴾ فِي سَبْعَة مَوَاضِع وَقَالَ الله تَعَالَى ﴿يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم﴾ وَقَالَ الله تَعَالَى ﴿إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ﴾ وَقَالَ الله تَعَالَى ﴿بل رَفعه الله إِلَيْهِ﴾ وَقَالَ الله تَعَالَى ﴿أأمنتم من فِي السَّمَاء أَن يخسف بكم الأَرْض فَإِذا هِيَ تمور أم أمنتم من فِي السَّمَاء أَن يُرْسل عَلَيْكُم حاصبا﴾
1 / 11
وَقَالَ الله تَعَالَى ﴿قل نزله روح الْقُدس من رَبك﴾ وَقَالَ الله عَن فِرْعَوْن ﴿يَا هامان ابْن لي صرحا لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات فَأطلع إِلَى إِلَه مُوسَى وَإِنِّي لأظنه كَاذِبًا﴾ وَهَذَا يدل على أَن مُوسَى أخبرهُ بِأَن ربه تَعَالَى فَوق السَّمَاء وَلِهَذَا قَالَ ﴿وَإِنِّي لأظنه كَاذِبًا﴾ وَقَالَ ﴿من الله ذِي المعارج تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة﴾ ثمَّ أجد الرَّسُول ﷺ لما أَرَادَ الله ان يَخُصُّهُ بِقُرْبِهِ عرج بِهِ من سَمَاء إِلَى سَمَاء حَتَّى كَانَ قاب قوسين أَو أدنى ثمَّ قَوْله ﷺ فِي الحَدِيث الصَّحِيح لِلْجَارِيَةِ أَيْن الله فَقَالَت فِي السَّمَاء فَلم يُنكر عَلَيْهَا بِحَضْرَة أَصْحَابه كي لَا يتوهموا ان الْأَمر خلاف مَا هُوَ عَلَيْهِ بل أقرها وَقَالَ اعتقها فَإِنَّهَا مُؤمنَة وَعَن مُعَاوِيَة بن الحكم السّلمِيّ قَالَ قلت يَا رَسُول الله أَفلا أعْتقهَا قَالَ ادعها فدعوناها فَقَالَ لَهَا ايْنَ الله قَالَت فِي السَّمَاء قَالَ من أَنا قَالَت انت رَسُول الله قَالَ اعتقها فَإِنَّهَا مُؤمنَة وَقَوله ﷺ الراحمون يرحمهم الرَّحْمَن إرحموا من فِي الأَرْض يَرْحَمكُمْ من فِي السَّمَاء
1 / 12
وَعَن أبي الدَّرْدَاء ﵁ قَالَ سَمِعت رَسُول الله ﷺ يَقُول من اشْتَكَى مِنْكُم بَأْسا أَو اشْتَكَى اخ لَهُ فَلْيقل رَبنَا الله الَّذِي فِي السَّمَاء تقدس اسْمك أَمرك فِي السَّمَاء وَالْأَرْض كَمَا رحمتك فِي السَّمَاء وَالْأَرْض اغْفِر لنا حوبنا وخطايانا أَنْت رب الطيبين أنزل رَحْمَة من رحمتك وشفاء من شفائك على هَذَا الوجع فَيبرأ أخرجه أَبُو دَاوُد وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ ﵁ قَالَ بعث عَليّ من الْيمن بذهبية فِي أَدِيم مقروظ لم تحصل فِي ترابها فَقَسمهَا رَسُول الله ﷺ بَين أَرْبَعَة زيد الْخَيْر والأقرع بن حَابِس وعيينة بن حصن وعلقمة بن علاثة أَو عَامر بن الطُّفَيْل شكّ عمَارَة فَوجدَ من ذَلِك بعض الصَّحَابَة من الْأَنْصَار وَغَيرهم فَقَالَ رَسُول الله ﷺ أَلا تأمنوني وَأَنا أَمِين من فِي السَّمَاء يأتيني خبر السَّمَاء مسَاء وصباحا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَعَن ابْن ذِئْب عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء عَن سعيد بن يسَار عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ عَن رَسُول الله ﷺ أَن الْمَيِّت تحضره الْمَلَائِكَة فَإِذا كَانَ الرجل الصَّالح قَالُوا اخْرُجِي أيتها النَّفس الطّيبَة كَانَت فِي الْجَسَد الطّيب اخْرُجِي حميدة وَأَبْشِرِي بِروح وَرَيْحَان وَرب غير غَضْبَان فَلَا يزَال يُقَال لَهَا ذَلِك حَتَّى تخرج
1 / 13
ثمَّ يعرج بهَا إِلَى السَّمَاء فَيفتح لَهَا فَيُقَال من هَذَا فَيَقُولُونَ فلَان فَيُقَال مرْحَبًا بِالنَّفسِ الطّيبَة كَانَت فِي الْجَسَد الطّيب أدخلي حميدة وَأَبْشِرِي بِروح وَرَيْحَان وَرب غير غَضْبَان فَلَا يزَال يُقَال لَهَا ذَلِك حَتَّى يَنْتَهِي بهَا إِلَى السَّمَاء الَّتِي فِيهَا الله ﷿ الحَدِيث وَعَن أبي هُرَيْرَة ﵁ ان رَسُول الله ﷺ قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا من رجل يَدْعُو امْرَأَته إِلَى فرَاشه فتأبى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاء ساخطا عَلَيْهَا حَتَّى يرضى عَنْهَا زَوجهَا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَعَن أبي دَاوُد ثَنَا مُحَمَّد بن الصَّباح ثَنَا الْوَلِيد بن أبي ثَوْر عَن سماك عَن عبد الله بن عميرَة عَن الْأَحْنَف بن قيس عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ كنت فِي الْبَطْحَاء فِي عِصَابَة فيهم رَسُول الله ﷺ فمرت بهم سَحَابَة فَنظر اليها فَقَالَ مَا تسمون هَذِه قَالُوا السَّحَاب قَالَ والمزن قَالُوا والمزن قَالَ والعنان قَالُوا والعنان قَالَ هَل تَدْرُونَ بعد مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض قَالُوا لَا نَدْرِي قَالَ إِن بعد مَا بَينهمَا إِمَّا وَاحِدَة وَإِمَّا اثْنَتَانِ وَإِمَّا ثَلَاثَة وَسَبْعُونَ سنة ثمَّ السَّمَاء فَوق ذَلِك حَتَّى عد سبع سموات ثمَّ فَوق السَّمَاء السَّابِعَة بَحر بَين أَسْفَله وَأَعلاهُ مثل مَا بَين سَمَاء الى وسماء ثمَّ فَوق ذَلِك ثَمَانِيَة أوعال بَين أظلافهم وركبهم مثل مَا بَين سَمَاء إِلَى سَمَاء ثمَّ على ظُهُورهمْ الْعَرْش أَسْفَله وَأَعلاهُ مثل مَا بَين سَمَاء إِلَى سَمَاء
1 / 14
ثمَّ الله ﷿ فَوق ذَلِك وَعَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ سَمِعت رَسُول الله ﷺ يَقُول إِن الله كتب كتابا قبل ان يخلق الْخلق ان رَحْمَتي سبقت غَضَبي وَهُوَ عِنْده فَوق الْعَرْش أخرجه البُخَارِيّ وَعَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن معبد بن كَعْب بن مَالك أَن سعد بن معَاذ لما حكم فِي بني قُرَيْظَة قَالَ لَهُ رَسُول الله ﷺ لقد حكمت حكما حكم الله بِهِ من فَوق سَبْعَة ارقعة وَحَدِيث الْمِعْرَاج عَن أنس بن مَالك أَن مَالك بن صعصعة حَدثهمْ أَن نَبِي الله ﷺ حَدثهمْ على لَيْلَة اسرى بِهِ وسَاق الحَدِيث إِلَى ان قَالَ فرضت عَليّ الصَّلَاة خمسين صَلَاة كل يَوْم وَلَيْلَة فَرَجَعت فمررت على مُوسَى فَقَالَ بِمَ أمرت قَالَ أمرت بِخَمْسِينَ صَلَاة كل يَوْم وَلَيْلَة قَالَ إِن أمتك لَا تَسْتَطِيع خمسين صَلَاة وَإِنِّي قد خبرت النَّاس قبلك وعالجت بني إِسْرَائِيل اشد المعالجة فَارْجِع إِلَى رَبك فأساله التَّخْفِيف لأمتك قَالَ فَرَجَعت فَوضع عني عشرا فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقَالَ مثل ذَلِك فَرَجَعت الى رَبِّي فَوضع عني عشرا خمس مَرَّات فِي كلهَا يَقُول رجعت إِلَى مُوسَى ثمَّ رجعت إِلَى رَبِّي أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَعَن أبي هُرَيْرَة ﵁ ان رَسُول الله ﷺ قَالَ يتعاقبون فِيكُم مَلَائِكَة بِاللَّيْلِ وملائكة بِالنَّهَارِ ويجتمعون فِي صَلَاة الْفجْر وَصَلَاة الْعَصْر ثمَّ يعرج الَّذين باتوا فِيكُم فيسألهم رَبهم وَهُوَ بهم
1 / 15
اعْلَم كَيفَ تركْتُم عبَادي الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ وَعَن أبن عمر قَالَ لما قبض رَسُول الله ﷺ دخل عَلَيْهِ ابو بكر فأكب عَلَيْهِ وَقبل وَجهه وَقَالَ بِأبي أَنْت وَأمي طبت حَيا وَمَيتًا وَقَالَ من كَانَ يعبد مُحَمَّدًا فَإِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ وَمن كَانَ يعبد الله فَإِن الله فِي السَّمَاء حَيّ لَا يَمُوت رَوَاهُ البُخَارِيّ وَعَن مُحَمَّد بن فضل عَن فُضَيْل بن غَزوَان عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن أنس بن مَالك ﵁ قَالَ كَانَت زَيْنَب تفتخر على أَزوَاج النَّبِي ﷺ وَتقول إِن الله زَوجنِي من السَّمَاء وَفِي لفظ زوجكن أهلوكن وزوجني الله من فَوق سبع سموات اخرجه البُخَارِيّ وَفِي حَدِيث جُبَير بن مطعم قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ إِن الله فَوق عَرْشه فَوق سماواته وسماواته فَوق ارضه مثل الْقبَّة وَأَشَارَ النَّبِي ﷺ بِيَدِهِ مثل الْقبَّة وَحَدِيث عبد الله بن مَسْعُود ﵁ قَالَ رَسُول الله ﷺ من لم يرحم من فِي الأَرْض لم يرحمه من فِي السَّمَاء وَحَدِيث ابْن عَبَّاس ﵄ أَن رَسُول الله ﷺ لما أسرِي بِهِ مرت بِهِ رَائِحَة طيبَة فَقَالَ يَا جِبْرِيل مَا هَذِه الرَّائِحَة فَقَالَ هَذِه رَائِحَة ماشطة ابْنة فِرْعَوْن وَكَانَت تمشطهَا فَوَقع الْمشْط من يَدهَا فَقَالَت بِسم الله فَقَالَت ابْنَته ابي فَقَالَت لَا بل رب أَبِيك فَأخْبرت أَبَاهَا فَدَعَا بهَا فَقَالَ أَلَك رب غَيْرِي قَالَت رَبِّي وَرَبك
1 / 16
الله الَّذِي فِي السَّمَاء وَأمر بنقرة نُحَاس فأحميت ثمَّ دَعَا بهَا وَبِوَلَدِهَا فألقاهما فِيهَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارمِيّ وَغَيره وروى الدَّارمِيّ وَغَيره باسناده إِلَى أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ لما ألقِي إِبْرَاهِيم فِي النَّار قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّك فِي السَّمَاء وَاحِد وَأَنا فِي الأَرْض وَاحِد أعبدك وَأما الْآثَار عَن الصَّحَابَة فِي ذَلِك فكثيرة مِنْهَا قَول عمر ﵁ عَن خَوْلَة لما استوقفته فَوقف لَهَا فَسئلَ عَنْهَا فَقَالَ هَذِه امْرَأَة سمع الله شكواها من فَوق سبع سموات وَعبد الله بن رَوَاحَة لما وَقع على جَارِيَة لَهُ فَقَالَت امْرَأَته فعلتها فَقَالَ أما أَنا فأقرأ الْقُرْآن فَقَالَت أما أَنْت فَلَا تقْرَأ الْقُرْآن وَأَنت جنب فَقَالَ شهِدت بِأَن وعد الله حق وَأَن النَّار مثوى الكافرينا وان الْعَرْش فَوق المَاء طَاف وَفَوق الْعَرْش رب العالمينا وتحمله مَلَائِكَة كرام مَلَائِكَة الاله مسومينا وَابْن عَبَّاس لما دخل على عَائِشَة ﵂ وَهِي فِي النزع فَقَالَ كنت أحب نسَاء رَسُول الله ﷺ إِلَى رَسُول الله ﷺ وَلم يكن يحب إِلَّا طيبا وَأنزل الله براءتك من فَوق سبع سموات وَكَذَلِكَ نجد أكَابِر الْعلمَاء ك عبد الله بن الْمُبَارك ﵁ صرح بِمثل ذَلِك روى عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ قَالَ حَدثنَا الْحسن بن الصَّباح
1 / 17
قَالَ ثَنَا عَليّ بن الْحسن بن شَقِيق عَن ابْن الْمُبَارك قيل لَهُ كَيفَ نَعْرِف رَبنَا قَالَ بانه فَوق السَّمَاء على الْعَرْش بَائِن من خلقه
فصل فَلم ازل فِي هَذِه الْحيرَة والاضطرات من اخْتِلَاف الْمذَاهب والأقوال حَتَّى لطف الله بِي وكشف لهَذَا الضَّعِيف عَن وَجه الْحق كشفا اطْمَأَن إِلَيْهِ خاطره وَسكن بِهِ سره وتبرهن الْحق فِي نوره وَأَنا واصف بعض ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالَّذِي شرح الله صَدْرِي لَهُ فِي حكم هَذِه الْمسَائِل الثَّلَاث
الْعُلُوّ والفوقية والاستواء
الأولى مَسْأَلَة الْعُلُوّ وَهُوَ ان الله ﷿ كَانَ وَلَا مَكَان وَلَا عرش وَلَا مَاء وَلَا فضاء وَلَا هَوَاء وَلَا خلاء وَلَا ملاء وَأَنه كَانَ مُنْفَردا فِي قدمه وأزليته متوحدا فِي فردانيته ﷾ فِي تِلْكَ الفردانية لَا يُوصف بِأَنَّهُ فَوق كَذَا إِذْ لَا شَيْء غَيره
1 / 18
هُوَ سَابق التحت والفوق اللَّذين هما جهتا الْعَالم وهما لَا زمَان لَهُ والرب تَعَالَى فِي تِلْكَ الفردانية منزه عَن لَوَازِم الْحُدُوث فَلَمَّا اقْتَضَت الارادة المقدسة بِخلق الاكوان المحدثة المخلوقة العدودة ذَوَات الْجِهَات اقْتَضَت الارادة أَن يكون الْكَوْن لَهُ جِهَات من الْعُلُوّ والسفل وَهُوَ سُبْحَانَهُ منزه عَن صِفَات الْحُدُوث فكون الأكوان وَجعل لَهَا جهتي الْعُلُوّ والسفل واقتضت الْحِكْمَة الالهية ان يكون الْكَوْن فِي جِهَة التحت لكَونه مربوبا مخلوقا واقتضت العظمة الربانية أَن يكون هُوَ فَوق الْكَوْن بِاعْتِبَار الْكَوْن الْمُحدث لَا بِاعْتِبَار فردانيته إِذْ لَا فَوق فِيهَا وَلَا تَحت والرب ﷾ كَمَا كَانَ فِي قدمه وأزليته وفردانيته لم يحدث لَهُ فِي ذَاته وَلَا فِي صِفَاته مَا لم يكن فِي قدمه وأزليته فَهُوَ الْآن كَمَا كَانَ لَكِن لما احدث المربوب الْمَخْلُوق ذَا الْجِهَات وَالْحُدُود والخلاء والملاء والفوقية والتحتية كَانَ مُقْتَضى حكم العظمة للربوبية ان يكون فَوق ملكه وان تكون المملكة تَحْتَهُ بِاعْتِبَار الْحُدُوث من الْكَوْن لَا بِاعْتِبَار الْقدَم من المكون فَإِذا أُشير إِلَيْهِ بِشَيْء يَسْتَحِيل أَن يشار إِلَيْهِ من الْجِهَة التَّحْتِيَّة أَو من جِهَة اليمنة أَو اليسرة بل لَا يَلِيق ان يشار إِلَيْهِ إِلَّا من جِهَة الْعُلُوّ والفوقية ثمَّ الْإِشَارَة هِيَ بِحَسب الْكَوْن وحدوثه وأسفله فالاشارة تقع على أَعلَى جُزْء من الْكَوْن حَقِيقَة وَتَقَع على عَظمَة الرب وَتَعَالَى كَمَا يَلِيق بِهِ لَا كَمَا يَقع على الْحَقِيقَة المعتدلة عندنَا فِي أَعلَى جُزْء من الْكَوْن فَإِنَّهَا إِشَارَة إِلَى جسم وَتلك إِشَارَة إِلَى إِثْبَات إِذا علم ذَلِك فالاستواء صفة لَهُ كَانَت فِي قدمه لَكِن لم يظْهر حكمهَا إِلَّا عِنْد خلق الْعَرْش كَمَا أَن الْحساب صفة قديمَة لَهُ لَا يظْهر حكمهَا إِلَّا فِي الْآخِرَة وَكَذَلِكَ التجلي فِي الْآخِرَة لَا يظْهر حكمه إِلَّا فِي مَحَله فَإِذا علم ذَلِك فَالْأَمْر الَّذِي يهرب المتأولون مِنْهُ حَيْثُ أولُوا
1 / 19
الْفَوْقِيَّة بفوقية الْمرتبَة والاستواء بِالِاسْتِيلَاءِ فَنحْن اشد النَّاس هربا من ذَلِك وتنزيها للباري ﷾ عَن الْحَد الَّذِي يحصره فَلَا يحد بِحَدّ يحصره بل بِحَدّ تتَمَيَّز بِهِ عَظمَة ذَاته عَن مخلوقاته والاشارة إِلَى الْجِهَة إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الْكَوْن وأسفله إِذْ لَا يُمكن الاشارة إِلَيْهِ إِلَّا هَكَذَا وَهُوَ فِي قدمه سُبْحَانَهُ منزه عَن صِفَات الْحُدُوث وَلَيْسَ فِي الْقدَم فوقية وَلَا تحتية وَإِن من هُوَ مَحْصُور فِي التحت لَا يُمكنهُ معرفَة بارئه إِلَّا من فَوْقه فَتَقَع الاشارة إِلَى الْعَرْش حَقِيقَة إِشَارَة معقولة وتنتهي الْجِهَات عِنْد الْعَرْش وَيبقى مَا وَرَاءه لَا يُدْرِكهُ الْعقل وَلَا يكيفه الْوَهم فَتَقَع الاشارة عَلَيْهِ كَمَا يَلِيق بِهِ مُجملا مثبتا لَا مكيفا وَلَا ممثلا وَجه آخر من الْبَيَان هُوَ أَن الرب سُبْحَانَهُ ثَابت الْوُجُود ثَابت الذَّات لَهُ ذَات مُقَدَّسَة متميزة عَن مخلوقاته يتجلى يَوْم الْقِيَامَة للأبصار وَيُحَاسب الْعَالم فَلَا يجهل ثُبُوت ذَاته وتمييزها عَن مخلوقاته فَإِذا ثَبت ذَلِك فقد أوجد الأكوان فِي مَحل وحيز وَهُوَ سُبْحَانَهُ فِي قدمه منزه عَن الْمحل والحيز فيستحيل شرعا وعقلا عِنْد حُدُوث الْعَالم أَن يحل فِيهِ أَو يخْتَلط بِهِ لِأَن الْقَدِيم لَا يحل فِي الْحَادِث وَلَيْسَ هُوَ محلا للحوادث فَلَزِمَ أَن يكون بَائِنا عَنهُ وَإِذا كَانَ بَائِنا عَنهُ فيستحيل أَن يكون الْعَالم فِي جِهَة الفوق وان يكون الرب سُبْحَانَهُ فِي جِهَة التحت هَذَا محَال شرعا وعقلا فَيلْزم أَن يكون فَوْقه بالفوقية اللائقة بِهِ الَّتِي لَا تكيف وَلَا تمثل بل يعلم من حَيْثُ الْجُمْلَة والثبوت لَا من حَيْثُ التَّمْثِيل والتكييف وَقد سبق الْكَلَام فِي أَن الاشارة إِلَى الْجِهَة إِنَّمَا هُوَ باعتبارنا لأَنا فِي مَحل وحيز وحد والقدم لَا فَوق فِيهِ وَلَا جِهَة واستحالة علوها عَلَيْهِ فَلَا يُمكن مَعْرفَته وَالْإِشَارَة بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ إِلَّا من جِهَة الفوق لِأَنَّهَا أنسب الْجِهَات
1 / 20
إِلَيْهِ وَهُوَ غير مَحْصُور فِيهَا بل هُوَ كَمَا كَانَ فِي أزليته وَقدمه فَإِذا أَرَادَ الْمُحدث أَن يُشِير إِلَى الْقَدِيم فَلَا يُمكنهُ ذَلِك إِلَّا بالاشارة إِلَى الْجِهَة الْفَوْقِيَّة لِأَن المشير فِي مَحل لَهُ فَوق وَتَحْت والمشار إِلَيْهِ قديم بِاعْتِبَار قدمه لَا فَوق هُنَاكَ وَلَا تَحت وَبِاعْتِبَار حدوثنا وتسفلنا هُوَ فَوْقنَا فَإِذا أَشَرنَا إِلَيْهِ تقع الاشارة عَلَيْهِ كَمَا يَلِيق بِهِ لَا كَمَا نتوهمه فِي الْفَوْقِيَّة المنسوبة إِلَى الْأَجْسَام لَكنا نعلمها من جِهَة الاجمال والثبوت لَا جِهَة التَّمْثِيل وَالله الْمُوفق للصَّوَاب وَمن عرف هَيْئَة الْعَالم ومراكزه من علم الْهَيْئَة وَأَنه لَيْسَ لَهُ الا جهتا الْعُلُوّ والسفل ثمَّ اعْتقد بينونية خالقه عَن الْعَالم فَمن لَوَازِم الْبَيْنُونَة أَن يكون فَوْقه لِأَن جَمِيع جِهَات الْعَالم فَوق وَلَيْسَ إِلَّا المراكز وَهُوَ الْوسط
فصل إِذا علمنَا ذَلِك واعتقدناه تخلصنا من شبه التَّأْوِيل وعماوة التعطيل وحماقة التَّشْبِيه والتمثيل وأثبتنا علو رَبنَا وفوقيته واستواءه على عَرْشه كَمَا يَلِيق بجلاله وعظمته وَالْحق وَاضح فِي ذَلِك والصدر ينشرح لَهُ فَإِن التحريف تأباه الْعُقُول الصَّحِيحَة مثل تَأْوِيل الاسْتوَاء بِالِاسْتِيلَاءِ وَغَيره وَالْوُقُوف فِي ذَلِك جهل وعي مَعَ ان الرب سُبْحَانَهُ وصف
1 / 21
لنا نَفسه بِهَذِهِ الصِّفَات لنعرفه بهَا فوقوفنا عَن إِثْبَاتهَا ونفيها عدُول عَن الْمَقْصُود مِنْهُ فِي تعريفنا إِيَّاه فَمَا وصف لنا نَفسه بهَا الا لنثبت مَا وصف بِهِ نَفسه وَلَا نقف فِي ذَلِك وَكَذَلِكَ التَّشْبِيه والتمثيل حَمَاقَة وجهالة فَمن وَفقه الله للاثبات بِلَا تَحْرِيف وَلَا تكييف وَلَا وقُوف فقد وَقع على الْأَمر الْمَطْلُوب مِنْهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
فصل وَالَّذِي شرح الله بِهِ صَدْرِي فِي حَال هَؤُلَاءِ الشُّيُوخ الَّذين أولُوا الاسْتوَاء بِالِاسْتِيلَاءِ وَالنُّزُول بنزول الْأَمر وَالْيَدَيْنِ بالنعمتين والقدرتين هُوَ علمي بِأَنَّهُم مَا فَهموا فِي صِفَات الرب إِلَّا مَا يَلِيق بالمخلوقين فَمَا فَهموا عَن الله اسْتِوَاء يَلِيق بِهِ وَلَا نزولا يَلِيق بِهِ وَلَا يدين بعظمته بِلَا تكييف وَلَا تَشْبِيه فَلذَلِك حرفوا الْكَلم عَن موَاضعه وعطلوا مَا وصف الله بِهِ نَفسه وَنَذْكُر بَيَان ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَنَقُول لَا ريب إِنَّا نَحن وإياهم متفقون على إِثْبَات صِفَات الْحَيَاة والسمع وَالْبَصَر وَالْعلم وَالْقُدْرَة والإرادة وَالْكَلَام لله تَعَالَى وَنحن قطعا لَا نعقل من الْحَيَاة إِلَّا هَذَا الْعرض الَّذِي يقوم بأجسامنا وَكَذَلِكَ لَا نعقل من السّمع وَالْبَصَر إِلَّا أعراضا تقوم بجوارحنا فَكَمَا أَنهم يَقُولُونَ حَيَاته لَيست بِعرْض وَعلمه كَذَلِك وبصره كَذَلِك هِيَ صِفَات كَمَا يَلِيق بِهِ لَا كَمَا يَلِيق بِنَا
1 / 22
فَكَذَلِك نقُول نَحن حَيَاته مَعْلُومَة وَلَيْسَت مكيفة وَعلمه مَعْلُوم وَلَيْسَ مكيفا وَكَذَلِكَ سَمعه وبصره معلومان وَلَيْسَ جَمِيع ذَلِك أعراضا بل هُوَ كَمَا يَلِيق بِهِ وَمثل ذَلِك بِعَيْنِه فوقيته واستواؤه ونزوله ففوقيته مَعْلُومَة أَعنِي ثَابِتَة كثبوت حَقِيقَة السّمع وَحَقِيقَة الْبَصَر فَإِنَّهُمَا معلومان وَلَا يكيفان كَذَلِك فوقيته مَعْلُومَة ثَابِتَة غير مكيفة كَمَا يَلِيق بِهِ واستواؤه على عَرْشه مُعَلّق ثَابت كثبوت السّمع وَالْبَصَر غير مكيف وَكَذَلِكَ نُزُوله ثَابت كعلوم مَعْلُوم غير مكيف بحركة وانتقال يَلِيق بالمخلوق بل كَمَا يَلِيق بعظمته وجلاله وَصِفَاته مَعْلُومَة من حَيْثُ الْجُمْلَة والثبوت غير معقولة لَهُ من حَيْثُ التكييف والتحديد فَيكون الْمُؤمن بهَا مبصرا من وَجه أعمى من وَجه مبصرا من حَيْثُ الاثبات والوجود أعمى من حَيْثُ التكييف والتحديد وَبهَا يحصل الْجمع بَين الاثبات لما وصف الله بِهِ نَفسه وَبَين نفي التحريف والتشبيه وَالْوُقُوف وَذَلِكَ هُوَ مُرَاد الله تَعَالَى منا فِي إبراز صِفَاته لنا لنعرفه بهَا ونؤمن بحقائقها وننفي عَنْهَا التَّشْبِيه وَلَا نعطلها بالتحريف والتأويل وَلَا فرق بَين الاسْتوَاء والسمع وَلَا بَين النُّزُول وَالْبَصَر لِأَن الْكل ورد فِي النَّص فَإِن قَالُوا لنا فِي الاسْتوَاء شبهتم نقُول لَهُم فِي السّمع شبهتم ووصفتم ربكُم بِالْعرضِ وَإِن قَالُوا لَا عرض بل كَمَا يَلِيق بِهِ قُلْنَا فِي الاسْتوَاء وَالنُّزُول وَالْيَد وَالْوَجْه والقدم والضحك والتعجب من التَّشْبِيه
1 / 23
نلزمهم بِهِ فِي الْحَيَاة والسمع وَالْبَصَر وَالْعلم فَكَمَا لَا يجعلونها أعراضا كَذَلِك نَحن لَا نَجْعَلهَا جوارح وَلَا مِمَّا يُوصف بِهِ الْمَخْلُوق وَلَيْسَ من الانصاف أَن يفهموا فِي الاسْتوَاء وَالنُّزُول وَالْوَجْه وَالْيَد صِفَات المخلوقين فيحتاجون إِلَى التَّأْوِيل والتحريف فَإِن فَهموا فِي هَذِه الصِّفَات ذَلِك فيلزمهم أَن يفهموا الصِّفَات السَّبع صِفَات المخلوقين من الْأَعْرَاض فَمَا يلزموننا فِي تِلْكَ الصِّفَات من التَّشْبِيه والجسمية نلزمهم فِي هَذِه الصِّفَات من العرضية وَمَا ينزهون رَبهم بِهِ فِي الصِّفَات السَّبع وينفونه عَنهُ من عوارض الْجِسْم فِيهَا فَكَذَلِك نن نعمل فِي تِلْكَ الصِّفَات الَّتِي ينسبوننا فِيهَا الى التشبييه سَوَاء بِسَوَاء وَمن انصف عرف مَا قُلْنَاهُ واعتقده وَقبل نصيحتنا ودان الله بِإِثْبَات جَمِيع صِفَاته هَذِه تِلْكَ وَنفى عَن جَمِيعهَا التعطيل والتشبيه والتأويل وَالْوُقُوف وهذ مُرَاد الله تَعَالَى منا فِي ذَلِك لِأَن هَذِه الصِّفَات وَتلك جَاءَت فِي مَوضِع وَاحِد وَهُوَ الْكتاب وَالسّنة فَإِذا أثبتنا تِلْكَ بِلَا تَأْوِيل وحرفنا هَذِه وأولناها كَانَ كمن آمن بِبَعْض الْكتاب وَكفر بِبَعْض وَفِي هَذَا بَلَاغ وكفاية
1 / 24
فصل وَإِذا ظهر هَذَا التَّأْوِيل وَبَان انْحَلَّت الثَّلَاث مسَائِل بأسرها وَهِي ١ مَسْأَلَة الصِّفَات من النُّزُول وَالْوَجْه وَالْيَد وأمثالها ٢ وَمَسْأَلَة الْعُلُوّ والاستواء ٣ مَسْأَلَة الْحَرْف وَالصَّوْت اما مَسْأَلَة الْعُلُوّ فقد مر مَا فَتحه الله تَعَالَى وَأما مَسْأَلَة الصِّفَات فتساق مساق مَسْأَلَة الْعُلُوّ وَلَا يفهم مِنْهَا مَا يفهم من صِفَات المخلوقين بل يُوصف الرب تَعَالَى بهَا كَمَا يَلِيق بجلاله وعظمته فَينزل كَمَا يَلِيق بجلاله وعظمته ويداه كَمَا يَلِيق بجلاله وعظمته وَوجه الْكَرِيم كَمَا يَلِيق بجلاله وعظمته وَكَيف يُنكر الْوَجْه الْكَرِيم ويحرف وَقد قَالَ ﷾ ﴿وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام﴾ وَقَالَ صلى الله عليهه وَسلم فِي دُعَائِهِ (نَسْأَلك لَذَّة النّظر الى وَجهك) واذا ثبتَتْ صفة الْوَجْه بِهَذَا الحَدِيث وَبِغَيْرِهِ من الْآيَات والنصوص فَكَذَلِك صفة الْيَدَيْنِ والضحك والتعجب وَلَا يفهم من جَمِيع ذَلِك الا مَا يَلِيق بِاللَّه ﷿ بعظمته لَا مَا يَلِيق بالمخلوقات من الْأَعْضَاء والجوارح تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا
1 / 25
واذا ثَبت هَذَا الحكم فِي الْوَجْه فَكَذَلِك فِي الْيَدَيْنِ والقبضتين والقدم والضحك والتعجب كل ذَلِك كَمَا يَلِيق بِجلَال الله وعظمته فَيحصل بذلك اثبات مَا وصف الله بِهِ نَفسه فِي كِتَابه وَفِي سنة رَسُوله وَيحصل ايضا نفي التَّشْبِيه والتكييف فِي صِفَاته وَيحصل أَيْضا ترك التَّأْوِيل والتحريف الْمُؤَدِّي إِلَى التعطيل وَيحصل بذلك أَيْضا عدم الْوُقُوف بِإِثْبَات الصِّفَات وحقائقها على مَا يَلِيق بِجلَال الله وعظمته لَا على مَا نعقل نَحن من صِفَات المخلوقين
فصل واما مَسْأَلَة الْحَرْف وَالصَّوْت فتساق هَذَا المساق فَإِن الله تَعَالَى قد نُكَلِّم بِالْقُرْآنِ الْمجِيد بِجَمِيعِ حُرُوفه فَقَالَ تَعَالَى ﴿المص﴾ وَقَالَ ﴿ق وَالْقُرْآن الْمجِيد﴾ وَكَذَلِكَ جَاءَ الحَدِيث فينادي يَوْم الْقِيَامَة بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب
1 / 26