نشوة السكران بسم الله الرحمن الرحيم نحمد من زين رياض الوجوه بنرجس اللحاظ وورد الخدود، وأثمر أغصان القدود برمان النهود، حمد من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، وسيب بذكر محبوبه إن كان تهاميا في حجاز أو شاميا في نوى، ونصلي ونسلم على من حث على تهذيب النفس الأبية، عن الرذائل الدنية، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الذين يحبهم ويحبونه، ويقفون عند ما أمرهم ولا يتعدونه، ما ذر شارق، وهام عاشق. وبعد؛ فهذا بيان العشق والعشاق والمعشوقات من النسوان، وما يتصل بذلك من تطورات الصبوة والهيمان، الذي أفصح به أصحاب "ديوان الصبابة"، "وتزيين الأسواق" "وسبحة المرجان"، لخصته منها حلية للآذان، وأتيت فيه بأشياء مما يزري بأريج الريحان، وسميته: "نشوة السكران، من صهباء تذكار الغزلان"، ورتبته على مقدمة، وفصول، وخاتمة.

1 / 2

مقدمة في ذكر العشق واسمه وما جاء في حده ورسمه اعلم أن العشق طمع يتولد في القلب، ويتحرك وينمو، ثم يتربى، وتجتمع إليه مواد من الحرص، وكلما قوي زاد صاحبه في الاهتياج واللجاج، والتمادي في الطمع والفكر والأماني، والحرص على الطلب، حتى يؤديه ذلك إلى الغم المقلق، ويكون احتراق الدم عند ذلك باستحالة السواد، أو التهاب الصفراء وانقلابها إليها، ومن طبع السواد إفساد الفكر، ومع فساد الفكر يكون زوال العقل ورجاء ما لا يكون وتمني ما لا يتم، حتى يكون ذلك إلى الجنون، فحينئذ ربما قتل العاشق نفسه، وربما مات غمًا، وربما نظر إلى معشوقه فمات فرحا، وربما شهق شهقة فتختنق روحه، فيبقى أربعا وعشرين ساعة، فيظنون أنه مات، فيدفنونه وهو حي، وربما تنفس الصعداء فتختنق نفسه في تامور قلبه، وينضم عليها القلب ولا ينفرج حتى يموت، وتراه إذا ذكر من يهواه هرب دمعه واستحال لونه. ذكره فيثاغورث الحكيم الذي أخذ عن أصحاب سليمان بن داود ﵉، على ما ذكره صاعد في كتاب "الطبقات". وقال تلميذه أفلاطون: هو قوة غريزية متولدة من وسواس الطمع

1 / 3

وأشباح التخيل، نام بنصال الهيكل الطبيعي، محدث للشجاع جبنا وللجبان شجاعة، يكسو كل إنسان عكس طباعه حتى يبلغ به المرض النفساني والجنون الشوقي فيؤديانه إلى الداء العضال الذي لا دواء له. وقال تلميذه أرسطاطاليس: العشق عمى العاشق عن عيوب المعشوق. وهذا كقوله ﵌: "حبك الشيء يعمي ويصم".والذي مشى عليه أبو علي ابن سينا وغيره من الأطباء، أنه مرض وسواسي شبيه بالماليخوليا، يجلبه المرء إلى نفسه بتسلط فكرته على استحسان بعض الصور والشمائل، وقد تكون معه شهوة جماع وقد لا تكون. وقال سيد الطائفة الجنيد ﵀: العشق إلفة رحمانية وإلهام شوقي أوجبهما كرم الإله على كل ذي روح لتحصل به اللذة العظمى التي لا يقدر على مثلها إلا بتلك الإلفة وهي موجودة في الأنفس بقدر مراتبها عند أربابها، فما أحد إلا عاشق لأمر يستدل به على قدر طبقته من الخلق، ولأجل ذلك كان أشرف المراتب في الدنيا مراتب الذين زهدوا فيها مع كونها معاينة، ومالوا إلى الأخرى مع كونه مخبرا لهم عنها بصورة اللفظ. وقال الأصمعي: سألت أعرابية عن العشق فقالت: جل والله عن أن يرى، وخفي عن أبصار الورى، فهو في الصدور كامن ككمون النار في الحجر، إن قدحته أورى، وإن تركته توارى. وقال أبو وائل الأوضاحي: إن لم يكن طرفا من الجنون فهو عصارة من السحر. وقالت أعرابية: هو تحريك الساكن، وتسكين المتحرك.

1 / 4

وقال ثمامة: العشق جليس ممتع، وأليف مؤنس، وصاحب مالك، وملك قاهر، ملك مسالكه لطيفة، ومذاهبه غامضة، وأحكامه جائرة، ملك الأبدان وأرواحها، والقلوب وخواطرها، والعيون ونواظرها، والعقول وآرائها، قد أعطي عنان طاعتها، وقوة تصرفها، وقياد ملكها، وتوارى عن الأبصار مدخله، وعمي عن القلوب مسلكه. وقال بعضهم: مجهول لا يعرف، ومعروف لا يجهل، هزله جد، وجده هزل. وما أحسن قول الشاعر: يقول أناس لو نعت لنا الهوى ... ووالله ما أدري لهم كيف أنعت فليس لشيء منه حد أحده ... وليس لشيء منه وقت موقت قال في "تزيين الأسواق": العشق يختلف باختلاف المزاج على أنحاء أربعة: سريع التعلق والزوال كما في الصفراويين، وعكسه كما في السوداويين، وسريع التعلق بطيء الزوال كما في الدمويين، وعكسه كما في البلغميين. عن ابن عباس، رفعه، قال: "من عشق فعف فمات دخل الجنة". زاد الخطيب عنه: "فظفر" ثم أبدل قوله: "دخل الجنة" بقوله "مات شهيدا" وفي أخرى: "وكتم"، والحديث بسائر ما ذكر صححه مغلطاي وأعله البيهقي والجرجاني والحاكم في "التاريخ" بضعف سويد وتفرده به، ورواه ابن الجوزي مرفوعًا، وأبو محمد بن الحسين موقوفا، وأخرجه الخطيب عن عائشة مرفوعا أيضا، وضعفه

1 / 5

الحافظ بن القيم في "الهدي" بجميع طرقه، وأظن أنه الصواب، وإن تضمنه الأكابر في أشعارهم. وفي أثر ابن عباس أيضا: "الهوى إله معبود". وعن الغزي، قال: رأيت عاشقين اجتمعا، فتحدثا من أول الليل إلى الغداة، ثم قاما إلى الصلاة. ووردت أحاديث كثيرة في العشق مع العفة. قيل لعذري: أتعدون موتكم في الحب مزية، وهو من ضعف البنية، ووهن العقل، وضيق الرئة؟ فقال: أما والله لو رأيتم المحاجر البلج، ترشق بالعيون الدعج، من تحت الحواجب الزج، والشفاه السمر، تبسم عن الثنايا الغر، كأنها شذر الدر، لجعلتموها اللات والعزى وتركتم الإسلام وراء ظهوركم. وبنو عذرة مختصون بمزية الحب وإيثار العشق، ولا تضرب الأمثال إلا بهم. وقال بعض حكماء الهند: ما علق العشق بأحد عندنا إلا وعزينا أهله فيه. وحكى الحافظ مغلطاي: إن العشق يختلف باختلاف أصحابه، فإن الغرام أشد ما يكون مع الفراغ وتكرار التردد إلى المعشوق والعجز عن الوصول إليه، فعلى هذا يكون أخف الناس عشقا الملوك، ثم من دونهم، لاشتغالهم بتدبير الملك وقدرتهم على مرادهم، ولكن قد يتذللون للمحبوب بما في ذلك من مزيد اللذة، ودونهم أفرغ لقلة الاشتغال، حتى يكون المفترغ له بالذات أهل البادية لعدم اشتغالهم بعوائق، ومن ثم هم أكثر الناس موتا به. ونقل ابن خلكان في ترجمة العلاف: إن العشق جرعة من حياض

1 / 6

Usul - Qalabka Cilmi-baarista ee Qoraalada Islaamka

Usul.ai waxa uu u adeegaa in ka badan 8,000 qoraal oo Islaami ah oo ka socda corpus-ka OpenITI. Hadafkayagu waa inaan fududeyno akhrinta, raadinta, iyo cilmi-baarista qoraalada dhaqameed. Ku qor hoos si aad u hesho warbixinno bille ah oo ku saabsan shaqadayada.

© 2024 Hay'adda Usul.ai. Dhammaan xuquuqaha waa la ilaaliyay.