Asalka Xuquuqda Aadanaha: Aragti Taariikheed
نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية
Noocyada
35
لم يشدد بيكاريا نفسه على العلاقة بين آرائه حول التعذيب ولغة الحقوق الوليدة، لكن آخرين كانوا على أهبة الاستعداد لأن يفعلوا ذلك نيابة عنه؛ فقد عدل مترجمه الفرنسي، رئيس الدير أندريه مورليه، ترتيب آراء بيكاريا ليلفت الأنظار إلى ارتباطها ب «حقوق الفرد». استغل مورليه إشارة بيكاريا الوحيدة إلى «حقوق الفرد» في الفصل الحادي عشر من النسخة الإيطالية الأصلية لعام 1764 ونقلها إلى مقدمة الترجمة الفرنسية لعام 1766 بغرض خدمة هدفه في تأييد «حقوق الفرد». وهكذا بدا الدفاع عن حقوق الفرد هو هدف بيكاريا الأساسي، وأن تلك الحقوق تأكدت باعتبارها الوقاية اللازمة ضد معاناة الفرد. واستخدمت إعادة الترتيب التي قام بها مورليه في العديد من الترجمات اللاحقة، بل وحتى في الطبعات الإيطالية في وقت لاحق.
36
على الرغم من جهود مويارت المحمومة للدفاع عن التعذيب، انقلب التيار ضد التعذيب في ستينيات القرن الثامن عشر؛ فعلى الرغم من نشر أعمال كانت تحتوي على هجوم شديد على التعذيب من قبل، فإن قطرات المنشورات تحولت في تلك الفترة إلى سيل من المنشورات، وكانت ترجمات عمل بيكاريا والنسخ المعاد طبعها والمعاد تنقيحها تتصدر هذا الهجوم. ظهر نحو ثمان وعشرين طبعة باللغة الإيطالية، كثير منها يحمل دمغة ناشر مزورة، وتسع طبعات باللغة الفرنسية قبل عام 1800، ومع ذلك انضم الكتاب إلى القائمة البابوية للكتب المحظورة في عام 1766. ونشرت الترجمة الإنجليزية في لندن عام 1767، تبعها ظهور طبعات في جلاسجو ودابلن وإدنبره وتشارلستون وفيلادلفيا، ثم سرعان ما لحقتها طبعات باللغات الألمانية والهولندية والبولندية والإسبانية. وقد نجح مترجم بيكاريا في لندن في التعبير عن تغير روح ذلك العصر عندما قال: «لا تزال قوانين العقوبات ... معيبة للغاية، ويلازمها كم هائل من ملابسات القسوة التي لا ضرورة لها في كل الأمم، حتى إن محاولة تقليصها إلى معيار العقل لا بد أن تكون مثيرة لاهتمام البشرية جمعاء.»
37
كان تأثير بيكاريا المتنامي مذهلا للغاية، حتى إن مناوئي التنوير ادعوا أنهم رأوا المؤامرة التي تحاك؛ فهل كان محض مصادفة أن يعقب قضية كالاس تخطيط محدد المعالم في الإصلاح الجنائي؟ زد على ذلك أن من خطه هو رجل إيطالي غير معروف ولا يملك من المعرفة القانونية إلا قشورا. في عام 1779، أورد الصحفي المشاغب على الدوام سيمون نيكولاس هنري لينجويت، أن أحد الشهود أوضح له الأمر برمته كما يلي:
بعد فترة وجيزة من قضية كالاس، كتب كتاب «الموسوعة»، معتمدين على التعذيب الذي تعرض له كالاس ومستفيدين من الظروف المواتية - دون أن يضعوا أنفسهم موضع الريبة مباشرة، كما هي عاداتهم - إلى جناب القس بارنابايت في ميلان، المصرفي الإيطالي وعالم الرياضيات الشهير، أخبروه أنه قد حان الوقت لإصدار بيان رسمي للتنديد بقسوة التعذيب والتعصب؛ وأنه ينبغي أن تكون الفلسفة الإيطالية هي نيران مدفعية، وأنهم سيحققون الاستفادة منها سرا في باريس.
تبرم لينجويت من أن قاعدة عريضة من الناس تنظر إلى عمل بيكاريا على أنه ملخص غير مباشر لمصلحة كالاس وغيره من ضحايا الجور المعاصرين .
38
ساعد تأثير بيكاريا في تدشين الحملة ضد التعذيب، غير أن الحملة تحركت ببطء في بادئ الأمر. وقد صور مقالان حول التعذيب في «موسوعة ديدرو»، كلاهما نشر في عام 1765، غموض الأمر. في المقال الأول، الذي يدور حول فقه التعذيب، أشار أنطوان جاسبار باوتشر دي أرجي على نحو عملي إلى «التعذيب العنيف» الذي يتعرض له المتهم، لكن من دون أن يحكم على التعذيب من حيث كنهه. بيد أنه في المقال التالي الذي اعتبر التعذيب جزءا من الإجراءات الجنائية، هاجم شوفالييه دي جوكورت استخدام التعذيب بضراوة، مستعرضا كل الذرائع التي طالتها يداه بدءا من «صوت البشرية» ووصولا إلى فشل التعذيب في تقديم الدليل القاطع على الإدانة أو البراءة. وأثناء النصف الثاني من ستينيات القرن الثامن عشر، ظهرت خمسة كتب جديدة تؤيد إصلاح القانون الجنائي. وفي ثمانينيات نفس القرن، نشر تسعة وثلاثون كتابا من مثل هذه الكتب.
Bog aan la aqoon