المعنى الذي يتحادثان بشأنه، فهو الذريعة لتقريب تفاهمهما، وأداة الحكم الصحيح بينهما، قال ابن خلدون: "إذ به يتبين أصول المقاصد بالدلالة فيعرف الفاعل من المفعول والمبتدأ من الخبر، ولولا هو لجهل أصل الإفادة"١.
وإن من يحاول إقامة الدليل على فضله بالبرهان كان كمن يتكلفه على إشراق الشمس وضياء النهار، فلذا قدر المؤرخون للنحويين جهودهم، ورفعوا لهم أعلام الحمد، وخلدوهم في صحائفهم بمداد التبجيل والتكريم.
وخليق بمن يدلف٢ إلى روضة هذا الفن النضير أن يعرف سبب وضعه وكيف نشأ؟ والمراحل التي اجتازها حتى استوى قائما، وأن يقف على تاريخ مشاهير رجاله الذين عبدوا مهيعه٣ وأقاموا صوى الهداية على حفافيه٤ خوف الدثور والضلال، وعلى طبقاتهم في عصورهم المختلفة وأوطانهم المتغايرة وعلى ما شجر بينهم من خلاف في الآراء رغبة منهم في استكناه الحقيقة، وأن يلم بمؤلفات هذا الفن الكثيرة وبتنوع اتجاهاتها، وبترتيبها الزمني، وبالصلة بينها نقلا أو تعليقا أو نقدا، ففي الحق أن هذا العلم قد أربى على سائر العلوم في مصنفاته.
لقد غبر كثير من طلابه يدرسونه آمادا متطاولة ونفوسهم تواقة إلى تعرف هذه النواحي التي لا ينتظمها سفر خاص، بل تشتت في بطون الكتب، فلا ننال منها إلا بشق الأنفس.
هذا الذي حفزني إلى وضع هذا الكتاب، والله سبحانه أستعين في السداد والتوفيق ...
_________
١ المقدمة: الفصل السادس في العلوم إلخ، فصل في علوم اللسان العربي.
٢ يسير أو يتوجه.
٣ المهيع: الطريق الواسع.
٤ جوانبه.
1 / 12