من مناظرات الطور الثاني:
إن مناظرات الطور الثاني على كثرتها كان قطب رحاها في الكوفيين الكسائي؛ إذ كان دريئتهم وحامي حقيقتهم فنازل الأصمعي وسيبويه واليزيدي وغيرهم ولنقتصر في هذا الطور على ثلاث منها.
بين الكسائي والأصمعي:
روى الزجاجي في أماليه: "وكان الكسائي والأصمعي بحضرة الرشيد، وكانا ملازمَيْن له يقيمان بإقامته ويظعنان بظعنه، فأنشد الكسائي:
أنَّى جَزَوا عامرا سُوءَيْ بفعلهم ... أم كيف يُجْزُونَنِي السُّوءَي من الحَسَن
أم كيف ينفع ما تعطي العلوقُ به ... رئمان أنفِ إذا ما ضَنّ باللبن
فقال الأصمعي: إنما هو رئمان أنفَ بالنصب، فقال له الكسائي: اسكت ما أنت وذاك؟ يجوز بالرفع والنصب والخفض، أما الرفع فعلى الرد على "ما"؛ لأنها في موضع رفع بينفع فيصير التقدير: أم كيف ينفع رئمان أنفُ، والنصب بتعطي والخفض على الرد على الهاء في به، وقال: فسكت الأصمعي"١.
_________
١ راجع أمالي الزجاجي والمناظرة مذكورة أيضا في أمالي ابن الشجري المجلس السادس، ومعجم الأدبا ترجمه الكسائي، والمغني الباب الأول حرف أم، وخزانة الأدب شاهد ٩٠٦، والعلوق: الناقة التي ترأم البو وهو جلد الحوار يحشى تبنا أو تماما ويقدم لها إيهاما أنه ولدها عند فقده ثم لا تدر اللبن، والرئمان: مصدر لرئم كسمع سماعي وأضافه إلى الأنف لأنه مظهر حنوها، والمعنى إني لأعجب من قومي كيف يعاملون بني عامر بن صعصعة بالشر في مقابلة الخير وأعجب من ذلك مكافأتهم لي وأنا أدافع عنهم، وماذا يجديني من وعودهم اللسانية مع انطوائهم على حرماني وما حالهم معي إلا كهذه الناقة التي تعطف على البو بأنفها على حين ينكره قلبها فلا ترسل درها، والبيتان من قصيدة لأفنون التغلبي شاعر جاهلي وهي من قصائد المفضليات، وبيت المناظرة من شواهد النحاة على أم، راجع شرح المفصل وشرح الرضي على الكافية والمغني.
"ومجمع الأمثال، والمثل: رئمت له بوضيم "١٥٤٩"".
1 / 43