وذكرت وجه زوجتي، وعنقها الممتلئ، وصوتها الرخيم يحدو أغنية الأمهات، وحسبت أنني أسمع صوت السرير الخشبي ذاهبا آيبا.
فهرولت مسرعا من ذلك المدفن الذي ضم حبي وآمالي وآلامي، وذهبت إلى الكاهن الشيخ وسألته عن عيالي، فروى لي الحكاية التي سيرويها التاريخ عن اللبنانيين واللبنانيات!
باعت زوجتي حلاها وثيابها وفراشها، ثم قطعت أغراس الزيتون في البستان، ثم باعت البيت وأكلت ثمنه، وبعد هذا نزلت إلى بيروت مدينة الذهب والفضة، مدينة الجمال والحب، مدينة العلم والدين، مدينة الأدب والأدباء، مدينة الهياكل والمدارس.
ومدينة الخلاعة والفساد والظهور والرياء.
نزلت زوجتي حاملة صغارها، فتعلقوا بأذيالها وتبعوها في الأسواق، فاستعطت وأطعمتهم، وجاعت وأشبعتهم، حتى هزل منها اللحم وبرز العظم، فانحطت قواها ومات فيها الإنسان، ماتت فيها نتيجة تهذيب المئات من السنين.
وسرقت فسجنت في الدائرة، ولما خرجت تعلق بها صغارها، فرمتهم وسارت في الأزقة المظلمة محتفظة بالصغير إلى أن مات الصغير، فحملته وأرته للناس ميتا، فأشفقوا عليها، ولما رموها بشيء طرحت الميت وجلست تأكل بنهم الوحوش.
وأخيرا حمت ودنا الأجل، فجرت نفسها إلى القرية وماتت أمام عتبة الباب.
قيل في القدم: هنيئا لمن له مربض عنزة في لبنان! تعالوا، تعالوا يا عابري السبيل رثوا أرز لبنان، وبساتين لبنان، وعيون لبنان.
تعالوا اشتروا السهل والوعر بلا فضة وبلا ثمن، تعالوا فقد بيع البيت والبستان بربع قنطار من القمح، هلموا لشراء الجواري والعبيد، فقد بيعت المرأة بريال، والابنة برغيف!
أنشودة المهاجر
Bog aan la aqoon