Napoleon Bonaparte ee Masar
نابوليون بونابارت في مصر
Noocyada
وبالجملة فمناقب المترجم لا تحصى، وأوصافه لا تستقصى، وكان من أعظم الأسباب في خراب الإقليم المصري، بما تجدد منه ومن مماليكه وأتباعه من الجور، والتهور، فلعل الهم يزول بزواله.
هذه رواية الجبرتي عن إصلاح جامع عمرو، ولكني أطلعت على الرواية الآتية في كتاب «مارسيل» الذي سبقت الإشارة إليه، فقد ذكر في ترجمة مراد بك الحكاية الآتية أعربها ليطلع عليها قراء اللغة العربية، ولنسجل في التاريخ، إظهارا لصورة من أخلاق ذلك الرجل، الذي وقف بجيشه أمام نابوليون بونابرت في واقعة إمبابة الفاصلة، قال مارسل عن مراد، ما تعريبه: «وفرض ضريبة جديدة على تجار اليهود، لا في القاهرة وحدها، بل في مصر كلها، وكانت هذه الضريبة سببا لاجتماع كبار الإسرائيليين في معابدهم، وبعد المناقشة فيما بينهم، أرتأوا أن يرسلوا كبيري أحبارهم، إلى مراد بك يسألاه أن يرفع مقته وغضبه عنهم، ولما وقف الحبران أمام مراد بك قالا له: «أيها الأمير، إننا فقراء ولو أردنا أن نبيع أملاكنا ونساءنا وأولادنا، بل وأنفسنا، فإننا لا نستطيع أن نقدم لك عشر الضريبة التي ضربتها علينا، ولكن لو تكرمت علينا بإعفائنا مما لا نستطيع دفعه، كان ذلك شفقة منك، وإننا في مقابل ذلك ندلك على كنز عظيم حفظنا سره، خلفا عن سلف، ونوصي به أبناءنا حتى لا يعرف مكانه أحد سوانا.»
فلما سمع مراد بك هذا القول أرهف أذنيه وقال: «إنني ألغي أمر الضريبة، فأين الكنز؟ فأجابه الحبران: أن الكنز مدفون في جامع عمرو بن العاص، في مصر القديمة، وكان قد وضعه ذلك الفاتح العظيم في صندوق حديدي وخبأه في بطن الأرض ولا يعرف محله سوانا.»
أعطيت هذه المعلومات بدقة وإتقان حتى كأنها حقيقية لا مكذوبة، ومع ذلك فكانت توجد ضمانة أخرى وهي رأسا الحبرين المبلغين!!
لم يسرع مراد بك في وضع يده على الكنز الذي أصبح بعده ملكا له، خوفا من أن يتهم بتخريب الجوامع، ولكي يضع يده على الكنز دون أن يثير سخط الشعب عليه، رأى أن يتظاهر بخروجه إلى الصيد، وعند عودته مر بالجامع ودخل فيه متظاهرا بالصلاة، فلما قابله فيه المشايخ، قال لهم مراد بك - وقد رأي الجامع وأطلاله خربة - «ما دام الله قد قادني إلى هذا المكان المقدس، فإنه أراد بذلك من دون شك، أن أكون أنا الشخص الذي يتولى إصلاحه وتجديده، وأن يقرن اسمي باسم مؤسسة عمرو بن العاص في دعائكم، وغدا سأرسل العمال والصناع للبدء في إصلاحه.»
وفي اليوم التالي جاء العمال ولكن بدلا من أن يشتغلوا بإصلاح الخرائب عمدوا إلى هدم المباني، وحفر الأرض في المكان الذي رسمه لهم وكيل مراد بك وكاتم أسراره المخلص.
وبعد بضع دقائق ظهرت أرض الجامع وأخطر مراد بك فجاء مسرعا يشهد بنفسه إخراج الصندوق الحديدي كما أخبره الحبران، فوجد الصندوق وكان نصفه أحمر من الصدأ وإقفاله لا مفاتيح لها، ولما كسر الصندوق وجد فيه بعض أوراق من الرق مكتوبة عليها آيات قرآنية بخط كوفي على الطراز الذي كان يكتب به في عصر عمرو بن العاص.
وكان من حسن حظ الحبرين أنهما تواريا بين الجمهور وهربا قبل أن يظفر بهما مراد بك الذي عندما عاد إلى القاهرة انتقم من اليهود بفرض ضريبة مضاعفة عليهم، وكان يجلد من تأخر في دفع ما عليه.»
هذه رواية مارسيل، ولا ندري من أين جاء بها، كما أننا لا نتصور كيف يستطيع اختلاقها، ونستغرب أيضا كيف لم يصل خبرها إلى مسامع الجبرتي وهو عائش في تلك الفترة من الزمن، مختلط بالعلماء والمشايخ والأمراء والحكام واليهود والنصارى على السواء، ولعلها من الإشاعات والحكايات التي كانت تروى للأجانب قبل الحملة الفرنسية وبعدها، ومن تلك الأقاصيص، التي رويت عن مراد بك فيما كتبه كتاب الإفرنج ولم نجد لها أثرا في كتاب الجبرتي، وهو العمدة الوحيدة في هذه الفترة حكاية مراد بك وكيف وجده أبوه بعد أن اختطف من أحضانه طفلا، وبيع كغيره من المماليك، ثم ارتقى حتى سار شبه ملك في مصر، وهي حكاية رواها «سافاري» في خطاباته الموجهة إلى شقيق ملك فرنسا، قبل الثورة الفرنسية في سنة 1779.
17
Bog aan la aqoon