Napoleon Bonaparte ee Masar
نابوليون بونابارت في مصر
Noocyada
ما كفي هذه الديار التعسة ما لاقته من مظالم المماليك وعسفهم وتخريبهم وحروبهم، التي أفقرت البلاد من أهلها، ومن خيرها، ومن أرضها، ومائها، حتى بليت في تلك الفترة بأوبئة فتاكة، تسببت طبعا من سوء الأحوال الصحية، ومن نتائج الغزوات، والحروب والتعفن، وعدم تصريف المياه الآسنة في الجداول والخلجان، والبرك، فحدث في سنة 1052ه
10
ما يأتي بيانه:
في أثناء ولاية مقصود باشا، من قبل السلطان إبراهيم بن أحمد، داهم الوباء بولاق أولا ثم ظهر في القاهرة ففتك بأهلها، وبكافة أهل القطر فتكا ذريعا حتى كان اضطر الناس لكثرة الموتى، إلى دفنهم بغير صلاة، وروى المؤرخون أن 230 قرية صارت خرابا لفناء أهلها بذلك الوباء.
وحدث في سنة 1108ه وباء شديد سببه أن وقع في البلاد غلاء كبير مدة ولاية علي باشا قلج، من قبل السلطان مصطفى، فقل ورود الغلال، وعزت الأقوات وضاق العيش على الفقراء، ومتوسطي الحال واشتد بالناس الجوع، قال المؤرخون: «فأكل الناس الجيف وجذور الأشجار، فثارت النفوس، حتى اجتمع السواد الأعظم، رجالا ونساء وأطفالا، وصعدوا إلى القلعة ووقفوا بحوش الديوان، وصاحوا من الجوع، واستغاثوا بالباشا، فلم يجبهم أحد فرجموا ديوانه بالحجارة، وأكثروا من الجلبة والصياح، فركب الوالي وطردهم، فنزلوا إلى الرميلة ونهبوا ما بها من حواصل الغلال، وكذلك حواصل كتخدا الباشا، وكانت ملأى بالشعير والفول، وأصناف الحبوب فلم يقدر أحدهم على ردهم ... واشتد الغلاء وضاق بالناس الخناق، وعم الخطب، ومات الكثير منهم جوعا، والعياذ بالله، وخلت أكثر القرى من أهلها، وخطف الناس الخبز من الأسواق والأفران، مع ندرته، ومات الناس، فتركت جثتهم في الطرقات، فأنشب الوباء أظفاره بالعباد فأراحهم من حياة مرة، وشقاء مستمر، فكانوا يحملون الموتى من الطرقات عشرات عشرات، ويذهبون بهم إلى مغسل السلطان عند سبيل المؤمن فمات من جراء ذلك خلق كثير » ا.ه ملخصا.
وفي سنة 1147ه داهم البلاد وباء في زمن باكير باشا، الذي أوقع الفتن بين الأمراء وبعضهم، قال المؤرخون في هذه الفترة: إن هذا الطاعون لم يسبق له مثيل؛ إذ انتشر في البلاد قاطبة، وفتك بالناس فتكا ذريعا، فكان الناس يدفنون موتاهم على ضوء المشاعيل لاشتغالهم ليلا ونهارا بدفن الموتى، الذين يقعون في الشوارع والطرقات قتلى الوباء، فتبقى جثثهم ملقاة بعض الليالي والأيام وطالت مدة هذا الوباء.
وفي سنة 1171ه هاجم البلاد وباء آخر في أول مدة استقلال علي بك، قال المؤرخون: وكان ظهور الوباء عقب أن أمطرت السماء مطرا غزيرا جدا سالت منه السيول وامتلأت الأودية، واشتد الطاعون شدة بالغة فكثر الموت، وصارت جثث الموتى تلقى في الطرقات والحارات لكثرتها، وعدم وجود من يدفنها، وكثرت الجثث واجتمعت حولها الكلاب تنهشها، وطالت أيام الوباء وسمته العامة «قارب شيحه، اللي يأخذ المليح والمليحة» ولم يرتفع الوباء من أرض مصر في تلك المرة إلا في السنة التالية.
ثم في سنة 1205 بعد الحملة العثمانية التي جاء فيها قبودان حسن باشا الغازي وتعينه إسماعيل بك كبيرا للمماليك، قال المؤرخون: «وفي هذه السنة طرأ على البلاد، ولا سيما القاهرة، وباء شديد الوطأة لم تقاس البلاد مثله من قبل، فإن عدد الموتى في القاهرة بلغ نحو الألف في يوم واحد وتقلب على حكومتها في يوم واحد ثلاثة حكام، وسبب ذلك أن إسماعيل بك أصيب بالوباء فأقيم آخر من بيته مكانه فمات أيضا، حتى فني كان من كان في بيت إسماعيل في يوم واحد، ولم يبق منه إلا عثمان بك الطبل الذي مهد لمراد وإبراهيم سبيل العودة إلى السيادة في مصر، وسمي هذا الوباء بوباء إسماعيل.»
أفبعد كل هذه الأوبئة التي تناوبت على القطر في كل عهد المماليك، وبعد كل هاتيك الحروب والمنافسات والمشاحنات بين المماليك وولاة الدولة، وبين المماليك وبعضهم بعضا، وغارات أعراب البادية، ومظالم الحكام، يمكن أن يبقى في هذه الديار المصرية إلا من فاته الموت، أو عجز عن المهاجرة؟ لا غرابة أن يقول علي مبارك باشا بعد وصفه النظام الذي وضعه السلطان سليم لمصر بعد فتحها «وخربت البلاد وهاجر الكثيرون منهم إلى الديار الشامية والحجازية وغيرها.»
كلمة عامة عن المماليك
Bog aan la aqoon