Napoleon Bonaparte ee Masar
نابوليون بونابارت في مصر
Noocyada
أما قائد الحملة العثمانية السر عسكر مصطفى كوسة باشا فإن الجنرال مورات - قائد الخيالة الفرنساوية التي أبلت بلاء حسنا في هذه الواقعة وكانت لها اليد العليا في ذلك الفوز الذي أنعش قلوب الفرنساويين وأحيا ميت آمالهم - أسره بيده بعد أن أطلق عليه القائد العثماني رصاصة من غدراته أصابت يده، وجاء به إلى نابوليون فأحسن وفادته وأكرم مثواه.
وكان مع المشير مصطفى كوسة باشا أحد أولاده فامتنع مع نحو ثلاثة آلاف من الإنكشارية وتحصن في طابية أبي قير، وأبى التسليم على الرغم من النصائح التي أسداها إليه أبوه، وقد كلف الجنرال منو، الذي قدم بفرقة من الجند الفرنساوي من رشيد واشترك في المعركة، بأن يوالي حصار ذلك الحصن حتى يسلم من فيه، وقد سلموا فعلا بعد قليل من الزمن.
ولما وصلت أخبار هذا الفوز الفرنسي إلى القاهرة طرب الفرنساويون وشاركهم في أفراحهم وسرورهم جميع الذين كانوا يخشون قدوم الأتراك، سواء في ذلك النصارى وبعض أفراد المسلمين الذين انحازوا للفرنساويين، وارتبطت مصالحهم بوجودهم معهم، فقد روى «ميو» في مذكراته: أنه لما أذيع في القاهرة انتصار الفرنساويين في واقعة أبي قير كان النصارى يعانقون الفرنساويين فرحا وطربا، وأقيمت الاحتفالات والزينات ثلاثة أيام متوالية، وقال الشيخ الجبرتي في حوادث شهر صفر: «وفي عشرينه أشيع أن الفرنساوية تحاربوا مع العساكر الواردين على أبي قير، وأخذوا مصطفى باشا أسيرا وكذلك عثمان خجا وغيرهما، وأخبر الفرنسيس أنه حضرت لهم مكاتبة بذلك من أكابرهم، فلما طلع النهار ضربوا مدافع كثيرة من قلعة الجبل، وباقي القلاع المحيطة بصحن الأزبكية وعملوا في ليلتها «أعني ليلة الأربعاء» حراقة بالأزبكية من نفوط وبارود وصواريخ تصعد في الهواء» ... ولم يذكر الجبرتي صورة الخطاب الذي بعث به الجنرال دوجا إلى المشايخ واكتفى بقوله ... «وفي يوم الجمعة تاسع عشرينه «صفر» حضر مكاتبة من الفرنسيس بحكاية الحال «عن موقعة أبي قير» التي وقعت لم أقف على صورتها.» ولكن المعلم نقولا الترك حفظ نص ذلك المنشور الذي طبع في المطبعة الفرنساوية في القاهرة وتاريخه 2 ربيع الأول، وهذا نصه حرفيا من رسالة المعلم نقولا:
من حضرة ساري عسكر الجنرال «دوكا» قائمقام أمير الجيوش بمصر حالا: إلى علماء الإسلام، وكافة أرباب الديوان:
بعد السلام عليكم، وكثرة الأشواق إليكم، لا يخفاكم أنه وصلني خبر صحيح بأن العساكر الفرنساوية ملكت قلعة أبو قير في 14 ترميدور الموافق شهر صفر سنة 1214، وأنهم استأسروا فيها ثلاثة آلاف نفر ومن الجملة مصطفى باشا، وغاية ما وقع أن العمارة التي نزلت في أبو قير كانت بها عساكر خمسة عشر ألف لم يخلص منهم أحد بل الكل تلاشوا وهلكوا، ثم أخبركم عن لسان حضرة الساري عسكر الكبير بونابرته أنكم في الحال تظهرون هذا الخبر بين الخاص والعام، وتشهروه في الأقاليم المصرية فإنه خبر فيه سرور وفرح، وألزمكم أن تعرفوني في الحال عن إشهار هذا الخبر الفاخر المعتبر، وأخبركم أن حضرة الساري عسكر الكبير بونابرته يحضر إليكم عن قريب، والله تعالى يحفظكم والسلام ختام.
تحريرا في 22 ترميدور سنة السابعة لمشيخة الفرنساوية الموافقة إلى 2 ربيع الأول سنة 1214.
وأما عثمان خجا أو خواجة الذي ذكره الجبرتي، فقد كان من المماليك الذين تولوا الأحكام في مدة مراد بك، وكان من أتباع صالح بك الذي كان أميرا للحج عند قدوم الفرنساويين، وكان مولى من قبله على ثغر رشيد فسام أهلها سوء العذاب ظلما واستبدادا، وكان مع صالح بك في حجته الأخيرة، فلما مات هذا بالشام ذهب عثمان خجا إلى الآستانة وجاء مع المشير مصطفى باشا وجيشه.
ومع أن نابوليون أحسن معاملة مصطفى باشا وولده توددا للعثمانيين وتقربا منهم، ورغبة منه في اتخاذ أسيره العظيم واسطة في الصلح والمخابرات مع رجال الدولة، فإنه أراد، من جهة أخرى، أن يفهم المصريين والعثمانيين أنه لا يعفو عن المماليك ولا يعاملهم كما يعامل الأتراك ، فأصدر أمره بقتل عثمان خجا، وفي رواية الجبرتي، أنهم ذهبوا به إلى رشيد «وطافوا به في البلدة يزفونه بطبولهم وهو مكشوف الرأس حافي القدمين حتى وصلوا به إلى داره، فقطعوا رأسه وعلقوه على شباك داره ليراها الناس أجمعين» ... وهذه الرواية ناقصة؛ لأن نابوليون ما كان ليأمر بقطع رقبة كبير من أمراء المماليك بعد أن وقع في يده أسير حرب، كما وقع مصطفى باشا وولده وغيره، إلا بناء على تهمة توجه إليه، وحكم يصدر عليه، وقد وفق المعلم نقولا الترك في رسالته، إلى الحصول على صورة التهمة التي وجهت إلى عثمان خجا، والفتوى بالحكم عليه بالإعدام، وقد طبعت تلك الفتوى في المطبعة الفرنساوية، ولأهميتها التاريخية ولعدم تداولها في المصادر العربية نأتي على نصها:
هذه صورة الفتوى حكم الشرع الشريف الذي صدر من محكمة رشيد دام جلالها على عثمان خجا «خواجة» خطابا إلى حضرة الجنرال الحاكم في البلد المذكورة مؤرخ في أربعة وعشرين من شهر ترميدور من إقامة الجمهور الفرنساوي، الموافق 8 ربيع أول سنة 1214:
وصلتنا مكاتبتكم بالأمر أننا نستخير ونكشف عن جميع الأعمال التي حدثت من طرف عثمان خواجة كردلي، وننظر إن كان حصل منه الشر أكثر من الخير، وبموجب هذا الأمر بحضور حضرة سيدنا شيخ الإسلام العالم المتورع الشريف أحمد الخضري مفتي حنفي، ونقيب الأشراف المكرم المحترم الشريف بدوي، وقدوة الأعيان الحاج أحمد أغا السلحدار، والمكرم علي شاويش كتخدا، وقدوة النجار أحمد شحال، والمكرم إبراهيم الجمال والشريف على الجماني «لعله الحمامي» والشيخ مصطفى ظاهر والشريف إبراهيم سعيد والمكرم محمد القادم والحاج باشي سليمان وبحضور جماعة من المسلمين خلاف المذكورين أعلاه.
Bog aan la aqoon