187

Napoleon Bonaparte ee Masar

نابوليون بونابارت في مصر

Noocyada

والخلاصة أن نابوليون لم يبت تلك الليلة في الجيزة حتى كان الجيش الفرنساوي من جميع الجهات يسير قاصدا نقطة واحدة.

ولم تمض ثلاثة أيام حتى كانت جميع القوى الفرنساوية مجتمعة في الرحمانية، وهناك أصدر نابوليون منشورا للمصريين يعدهم ويهددهم ويحذرهم ويتملقهم ويتقرب منهم، موجها فيه الخطاب إلى أعضاء الديوان، وقد حفظ الجبرتي ونقولا الترك ذلك المنشور باللغة العربية وهذا نصه:

لا إله إلا الله محمد رسول الله

صلى الله عليه وسلم ، نخبركم يا محفل الديوان بمصر المنتخب من أحسن الناس وأكملهم بالعقل والتدبير، عليكم سلام الله تعالى ورحمته وبركاته، بعد مزيد السلام عليكم، وكثرة الأشواق إليكم، نخبركم يا أهل الديوان، المكرمين العظام، بهذا المكتوب إننا وضعنا جماعات من عسكرنا بجبل الطرانة، وبعد ذلك سرنا إلى إقليم البحيرة لأجل أن نرد راحة الرعايا المساكين، ونقاصص أعداءنا المحاربين، وقد وصلنا بالسلامة إلى الرحمانية وعفونا عفوا عموميا عن كل أهل البحيرة حتى صار الأقاليم في راحة تامة، ونعمة عامة، وفي هذا التاريخ نخبركم أنه وصل ثمانون مركبا صغارا وكبارا حتى ظهروا بثغر الإسكندرية، وقصدوا أن يدخلوها فلم يمكنهم الدخول من كثرة البنب وجلل المدافع النازلة عليهم، فرحلوا عنها وتوجهوا يرسون بناحية أبي قير وابتدءوا ينزلون إلى البر، وأنا الآن تاركهم وقصدي أن يتكامل الجميع في البر، وأنزل عليهم أقتل من لا يطيع وأخلي بالحياة الطائعين، وآتيكم بهم محبوسين تحت السيف لأجل أن يكون في ذلك شأن عظيم في مدينة مصر، والسبب في ذلك في مجيء هذه العمارة إلى هذا الطرف العشم بالاجتماع على المماليك والعربان، ولأجل نهب البلاد وخراب القطر المصري، وفي هذه العمارة خلق كثير من «الموسقو» الإفرنج الذين كراهتهم ظاهرة لكل من يوحد الله، وعداوتهم واضحة لمن كان يعبد الله، ويؤمن برسول الله، يكرهون الإسلام، ولا يحترمون القرآن، وهم نظرا لكفرهم في معتقدهم يجعلون الآلهة ثلاثة، وإن الله ثالث تلك الثلاثة، تعالى الله عن الشركاء، ولكن عن قريب يظهر لهم أن الثلاثة لا تعطي القوة، وإن كثرة الآلهة لا تنفع، بلى إنه باطل؛ لأن الله هو الواحد الذي يعطي النصرة لمن يوحده، هو الرحمن الرحيم، المساعد المعين، القوي للعادلين الموحدين، الماحق رأي الفاسدين المشركين، وقد سبق في علمه القديم، وقضائه العظيم، أنه أعطاني هذا الإقليم وقدر وحكم بحضوري عندكم إلى مصر لأجل تغييري الأمور الفاسدة، وأنواع الظلم، وتبديل ذلك بالعدل والراحة، مع صلاح الحكم، وبرهان قدرته العظيمة، ووحدانيته المستقيمة، إن لم يقدر الذين يعتقدون أن الآلهة ثلاثة قوة مثل قوتنا؛ لأنهم ما قدروا أن يعملوا الذي عملناه، ونحن المعتقدون وحدانية الإله ، نعرف أنه العزيز القادر، القوي القاهر، المدبر للكائنات، والمحيط علمه بالأرضين والسماوات، القائم بأمر المخلوقات، هذا ما في الآيات، والكتب المنزلات، ونخبركم بالمسلمين إن كانوا بصحبتهم، يكونوا من المغضوب عليهم لمخالفتهم وصية النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، بسبب اتفاقهم مع الكافرين الفجرة اللئام؛ لأن أعداء الإسلام، لا ينصرون الإسلام، ويا ويل من كانت نصرته بأعداء الله! وحاشا الله أن يكون المستنصر بالكفار مؤيدا، أو يكون مسلما ساقتهم المقادير، للهلاك والتدمير، مع السفالة والرذالة، وكيف لمسلم أن ينزل في مركب تحت بريق الصليب، ويسمع في حق الواحد الأحد، الفرد الصمد، من الكفار، كل يوم تخريفا واحتقارا، ولا شك أن هذا المسلم في هذا الحال، أقبح من الكافر الأصلي في الضلال.

نريد منكم يا أهل الديوان أن تخبروا بهذا الخبر جميع الدواوين والأمصار، لأجل أن يمتنع أهل الفساد من الفتنة بين الرعية، في سائر الأقاليم والبلاد؛ لأن البلد الذي يحصل فيه الشر يحصل لهم مزيد الضرر والقصاص، انصحوهم يحفظوا أنفسهم من الهلاك خوفا عليهم أن نفعل فيهم مثل ما فعلناه في أهل دمنهور، وغيرها من بلاد الشرور، فإنهم بسبب سلوكهم المسالك القبيحة قاصصناهم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تحريرا بالرحمانية في يوم الأحد 15 صفر 1214، طبع بالمطبعة الفرنسية العربية.

ولقد قصد نابوليون بهذا المنشور عدة أمور: أولها وأهمها، إلقاء الرعب في قلوب المصريين ليخلدوا إلى السكينة، وليخافوا عاقبة الفتك بهم، كما حصل لأهالي دمنهور عقب ثورة المهدي، أو مولاي محمد، وأراد نابوليون أن يفهم المصريين أن القادمين ليسوا أتراكا مسلمين، بل هم روسيون مسيحيون لا يعتقدون بالوحدانية مع أنه لم يكن مع الجيش العثماني الذي نزل في أبي قير جند من الروس، ولا من الإنكليز، ولم يثبت التاريخ سوى وجود بعض الضباط الإنكليز الذين قدموا مع الأسطول البريطاني ليكونوا في هيئة أركان حرب المشير مصطفى كوسة باشا قائد ذلك الجيش، وما قصد نابوليون بذلك الاختلاق إلا الإيهام والتغرير بالعقول، وتلك خطة تبررها السياسة في أيام الحروب، ولكن المعلم نقولا الترك أراد أن يعتذر عن هذا الاختلاق - أي: دعوى أن الجيش القادم معظمه من الروس المسيحيين - فقال:

وخشي أمير الجيوش من العامة في مصر وغيرها من البلدان، فكتب فرمانا إلى علماء مصر وأرباب الديوان يخبرهم بورود المراكب وخروج عساكرها إلى البر، وإنها مراكب نصارى، ولكن ربما معهم بعض المسلمين، وتعريفه بذلك استنادا على الفرمان الذي ورد من الدولة العثمانية إلى الجزار والأقطار الشامية حيث يقول: «قريبا نحضر لكم الدونتمة الهمايونية مع دونتما الدولة المسكوبية المتحدة مع دولتنا بالحب والصداقة، ونحضر لكم عشرين ألف مقاتل في البر مع الدولة القوية غير العساكر البحرية، لأجل طرد الملة الفرنساوية.» وهذا الفرمان قد حضرت صورته إلى أمير الجيوش وأطلع عليه العلماء والأعيان وأهل تلك البلدان. ا.ه.

والمعلم نقولا يشير بالطبع إلى المنشور الذي سبق لنا الكلام عنه وليس فيه شيء مما يقوله المعلم نقولا، اللهم إلا إذا كان يشير إلى منشور لم نقف له على أثر في الكتب الفرنسية ولا الإنكليزية ولا العربية، ومع ذلك فإن ذكر العمارة الروسية وقدومها مع الجيش العثماني ليس معناه إنزال جنود روسية مع العساكر التركية في أرض مصر، ولكن يظهر أن المعلم نقولا أراد أن يعتذر لنابوليون بما لم يعتذر به نابوليون عن نفسه!!

وأغرب من هذا تعليق المرحوم مخائيل بك شارويم على هذا المنشور في كتابه «الكافي» بالعبارة الآتية:

Bog aan la aqoon