Napoleon Bonaparte ee Masar
نابوليون بونابارت في مصر
Noocyada
ومن هنا يبتدئ القسم الثاني لحكومة المماليك «1517-1798»؛ لأن السلطان سليم لما افتتح مصر كان في إمكانه القضاء المبرم، على المماليك الجراكسة وغيرهم، وكانت مصر استراحت من مظالمهم، وتمكنت الدولة العثمانية من وضع نظام إداري يجمع بين النفوذ العثماني، وبين تقدم الأمة المصرية، واستعمار هذه الديار على الطرق الحديثة، ولكنه على ما يظهر من جميع أقوال مؤرخي هذه الفترة الثقات خاف لبعد مصر عن مركز الحكومة العثمانية «ولم يكن ثمت سكك حديد ولا سفن بخارية» أن يستضعف أحد الولاة جانب المصريين، وهم دائما مستضعفون، ثم يبسط نفوذه في البلاد، ويستقل بها، وفي هذا الصدد يقول المرحوم علي باشا مبارك، في الجزء السابع من «خططه التوفيقية» ما خلاصته.
لما أخذ السلطان سليم مصر ورأى غالب حكامها من المماليك التي ورثوها عن ساداتهم رأى أن بعد الولاية عن مركز الدولة ربما أوجب خروج حاكمها عن الطاعة، وتطلبه للاستقلال، فجعل حكومة مصر منقسمة إلى ثلاثة أقسام وجعل في كل قسم رئيسا، وجعلهم جميعا منقادين لكلمة واحدة وهي كلمة وزير الديوان الكبير، وجعله مركبا من الباشا الوالي من قبله، ومن بكوات السبع وجاقات وجعل للباشا مزية توصيل أوامر السلطان إلى المجلس، وحفظ البلاد، وتوصيل الخراج إلى القسطنطينية، ومنع كل من الأعضاء عن العلو عن صاحبه، وجعل لأعضاء المجلس مزية نقض أوامر الباشا بأسباب تبدو لهم وعزله أن رأوا ذلك، وجعل حكام المديريات الأربع وعشرين من المماليك وخصهم بمزية جمع الخراج ... إلخ، ثم استطرد فقال: وبهذا الترتيب تمكنت الدولة العلية من إبقاء الديار المصرية تحت تصرفها نحو مائتي سنة، ثم أهملت تلك القوانين ولم تلتفت الدولة لما كان يحصل من المماليك في الأمور المخلة بالنظام فضعفت شوكة الدولة وهيبتها التي كانت لها على مصر، وأخذ البكوات تكثر من المماليك وتتقوى بها حتى فاقت بقوتها الدولة العثمانية في الديار المصرية فآل الأمر والنهي لهم في الحكومة، وصارت سلطة الدولة في مصر صورية غير حقيقية، ولو كانت الدولة العلية تنبهت لهذا الأمر ومنعت بيع الرقيق لكانت الأمور باقية على ما وضعها السلطان، ولكنها غفلت عن هذا الأمر كما غفلت عن أمور كثيرة، ومن ذلك لحق الأهالي الذل والإهانة وهاجر كثير منهم إلى الديار الشامية والحجازية وغيرهما، وخربت البلاد وتعطلت الزراعة من قلة المزارعين، وعدم الاعتناء بتطهير الجداول والخلجان التي عليها مدار الخصب وصار للبكوات الكلمة النافذة وانفردوا بالتصرف. ا.ه.
وقد أراد المرحوم علي باشا مبارك بقوله: «منع بيع الرقيق» هو شراء المماليك وتجنيدهم بواسطتهم أسيادهم الذين بقي لهم النفوذ المطلق في الديار المصرية على الرغم من توالي الولاة الذين كانوا يلقبون بالباشوات من الدولة العلية، ولخوف الحكومة العثمانية من ولاتها، ولرغبتها دائما في استرضاء المماليك، لكيلا يمنعوا الخراج عنها كانت لا تكاد تبعث بوال من عندها حتى تعزله وتعين بدله، وحتى لقد بلغ عدد ولاتها منذ الفتح العثماني إلى الاحتلال الفرنساوي - أي: من 1517 إلى 1798؛ أي: نحو 280 سنة - أكثر من مائة وال، قل من أقام منهم أكثر من عامين، وكثر من بدل كل عام، ولقد كان بعض أولئك الولاة، كما أثبت المؤرخون من أهل الكفاءة والإخلاص، وذوي الرغبة في إصلاح ما اختل من شئون هذه البلاد، فلا يكاد يشعر المماليك برغبته في الضرب على أيديهم، وكف مظالمهم، حتى يقرروا عزله، كما ترك لهم هذا الحق في النظام الذي وضعته الدولة لهم كما تقدم، فكان الوالي بمقتضى هذه الظروف، يوجه همته إلى إرضاء المماليك والتقرب منهم، وأخذ ما يستطيع أخذه من الأموال والطرف، ليعود إلى الآستانة مملوء الوفاض بادي الثراء.
وعلى الرغم من حيطة الدولة ورغبتها في أن لا يستبد أحد من المماليك بالسلطة في الديار المصرية، ومع ما كانت تبذله من الوسائل للتفريق بينهم وغرس بذور الأحقاد في صدورهم، فإنهم كانوا في الواقع ونفس الأمر مستبدين بحكومة البلاد وطالما ماطالوا الدولة في إرسال الخراج، بدعوى الحاجة إليه في إقامة الجسور أو حفر الترع وهم لم يفعلوا شيئا من هذا، أو بحجة قلة الفيضان وعجز المحصول وتأخر الأهالي عن دفع الضرائب، كما أن ذلك لم يمنع من اغتصاب الملك مرارا من الباشا الوالي وطرده من الديار المصرية، وبلغ الأمر في منتصف القرن الثامن عشر - أي: عام 1746 - أن قام المدعو إبراهيم بك القازضغلي، كخيا الإنكشارية «ميرالاي وجاق؛ أي: فرقة الإنكشارية» واتحد مع إسماعيل رضوان كخيا العرب، وقاوما الأحزاب الأخرى حتى استطاعا القضاء على عثمان بك الذي كان وقتئذ زعيم المماليك - أي شيخ البلد - وصارت مشيخة البلد لإبراهيم بك المذكور فصادر ممتلكات كثيرين من الأغنياء في القاهرة، ووضع يده على جميع محصولات البلاد والكمارك والقرى والمخازن، ولما عينت الدولة واليا جديدا لمصر عامله إبراهيم بك بالاحتقار فأراد الباشا الوالي الفتك به فلم يتيسر له ذلك، ثم لما ولي وال آخر غير ذلك وكان اسمه «راغب محمد» اتفق مع إبراهيم بك وحزبه مدة من الزمن، فلم يوافق ذلك سياسة الدولة فسعت للإيقاع بين واليها وبين البكوات، فبعثت له بالأوامر القاضية عليه بإبادتهم، فحاول ذلك ولكنه فشل، فلما عرف إبراهيم بك بمقاصده عزله .
وكان من مماليك إبراهيم بك المذكور «وكانوا يبلغون الألفين عدا» فتى يدعى «علي» اشتهر بالفروسية والإقدام، فرقاه سيده إبراهيم بك إلى رتبة البكوية، وكان لهذا المملوك شأن كبير في تاريخ مصر؛ لأنه خرج على الدولة لما وصل بدسائسه إلى مشيخة البلد، ثم أراد أن يستقل بملك مصر فتم له ما أراد، وفوق ما أراد.
ذلك أنه في سنة 1763 ميلادية تمكن علي بك هذا من أن يكون كبير المماليك، ولقب بشيخ البلد، ولكنه لم يصل إلى هذه الدرجة، إلا بعد منازعات وحروب مع أقرانه، ومنافسة مع المماليك أنداده، أدت إلى تخريب البلاد، والإساءة إلى العباد، إلى درجة أحرجت الشيخ الحفناوي أحد علماء الجامع الأزهر، «على ما بهم من جبن وفزع من المماليك» فقال لهم، كما روى الجبرتي، «لقد خربتم الأقاليم والبلاد، وكل ساعة خصام وحروب مع علي بك.»
ومع ذلك بقي النزاع بين علي بك وأقرانه البكوات، حتى أجبروه على الفرار إلى بلاد اليمن، ولكنه عاد باستدعاء أنصاره في عام 1180 هجرية /1766 ميلادية، وحين استقرت قدمه في القاهرة، قتل أربعة من البكوات في ليلة واحدة، ونفى أربعة آخرين، وكان من مماليكه إبراهيم بك الذي بقي حتى الحملة الفرنسية، وعاش حتى بعد مذبحة محمد علي في القلعة، ومن مماليكه أيضا أحمد بك الجزار المشهور الذي حارب نابوليون في عكا وصده عنها، ومن مماليكه كذلك محمد بك أبو الذهب الذي غدر به وكان سبب القضاء على آماله ومطامعه، ومنهم مراد بك المشهور في الحملة الفرنسية.
ولما خلا الجو لعلي بك، أخذ في مناهضة نفوذ الدولة العثمانية، فشرع في عزل وإبعاد جميع مستخدمي الملكية والجهادية، ورؤساء الوجاقات، وأبدالهم بمن هم على دعوته، وسعى في تقليل العساكر العثمانية، وإكثار المماليك من دعاته، وعمل ما لم تعمله الدولة حين استيلائها على مصر، بأن منع البكوت الذين كان يخشى من تغيرهم عليه، من أن يقتني أحدهم أكثر من مملوك واحد أو مملوكين، ولم يحفل بسلطة الوالي ونفاه من مصر، فلما شعرت الدولة بمقاصده، حاولت القضاء عليه، ففشلت في مساعيها، ولما علم بمقاصد الدولة نحوه، فعل كما فعل «محمد علي» بعده فأعلن استقلال مصر وطرد الوالي الجديد، واتحد مع الشيخ ظاهر أمير عكا، منتهزا فرصة اشتغال الدولة العثمانية بمحاربة روسيا، وعلى الرغم من النزاع الذي كان بين زعماء مماليكه «أي: أحمد بك الجزار، ومحمد بك أبو الذهب» فإنه توصل بدهائه وحزمه، إلى بسط نفوذه على جزيرة العرب، واستولى على جده وعين عليها واليا من مماليكه، اسمه حسن بك ولقبه بالجداوي نسبة إلى جده «وكان لهذا الرجل شأن في حوادث مصر مع الفرنسيس، «سيأتي دورها في هذا الكتاب» واستدعى إليه «روستي» المشهور في الحوادث الفرنسية «وكان هذا الأخير تاجرا صغيرا من أهالي البندقية وبقي في مصر من ذلك الحين، إلى أيام الحملة الفرنسية»
2
وكلفه بتنظيم التجارة الخارجية والمخابرات الدولية، ونصح إليه روستي باتخاذ جدة مركزا للتجارة مع الهند.
Bog aan la aqoon