Napoleon Bonaparte ee Masar
نابوليون بونابارت في مصر
Noocyada
9
في داره فأسرع بقوة عظيمة وأحاط بالقرية، وحاصر الرجل في داره وقتلوه ومن معه، قال «لاكروا»: إن أبا شعير هذا كان رجلا ظالما عاتيا، وكان له النفوذ الأول في جميع مديرية المنوفية وما جاورها، وكان تحت أمرته من الرجال أكثر من ألف ومائتين فلما حاصروه وقاتلوه، وفر من استطاع الفرار من رجاله، استولوا على منزله فوجدوا فيه على رواية ذلك المؤلف مقادير كثيرة من النقود والفضة الخالصة، وكميات وافرة من الذخائر والأسلحة المتنوعة، وأخذوا من داره ثلاثين جوادا من أفخر الجياد المطهمة، ثم طافوا برأسه في جميع قرى المنوفية ليقتنع الناس بموته، وفي مكاتبات نابوليون خطاب بعث به للجنرال لأنوس يقول فيه: «أقدم لك مزيد التهاني يا مواطني الجنرال على ظفرك بأبي شعير، فقد كان فوزك على ذلك السلاب
Brigand
انتصارا كبيرا لنا.»
وسواء كان ابن شعير أو أبو شعير لصا وقاطع طريق، أو كبير عزوة ورئيس عشيرة، وفقد قتلوه ومثلوا به وغنموا أمواله! ومن يدرينا ماذا فعلوا في بلدته من الشرور وهتك الأعراض وسلب العباد!
ومع هذا يقول الكتاب الفرنسيون: إن نابوليون عامل المصريين بعد الثورة بالرفق وأبدى لهم من التسامح والتساهل شيئا كثيرا! فماذا كانوا يطلبون بعد قتل من ظنوهم زعماء الثورة، وإلقاء لجثث أولئك العلماء في النهر كأحط المجرمين بلا محاكمة، وبعد إزهاق أرواح أكثر من ثلاثة آلاف نسمة بشهادة نابوليون نفسه ثم تخريب القرى وإحراقها!! ثم ما هو أكبر من ذلك من خرق حرمة المعهد الإسلامي المقدسة وجعله إسطبلا للخيول ومرحاضا للجنود! ماذا كنتم تريدون أن يفعل بالمصريين أكثر من هذا يا دعاة المدنية وأنصار العدل والإنسانية! وحملة راية «الحرية والمساواة والإخاء» ...؟
أما أن المصريين قد أخطئوا بتلك الثورة السخيفة، فذلك ما لا شك فيه، ورحم الله الشعبي الخارجي لما قال للخليفة هارون الرشيد: «لقد قمنا بفتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء.» وهكذا كان المصريون، ولكنهم من جهة أخرى قد حركتهم عوامل الأغراض المتباينة وحرضتهم آلات أعداء الفرنساويين من رسل الإنكليز والروس والأتراك، وبقايا المماليك في القاهرة، والويل للأمم التي تقع ألعوبه في مهاب السياسة التي لا قلب لها ولا ضمير ...
تسفك دماء المصريين فلتسفك! تخرب ديارهم فلتخرب! ولكن لا يبقى الفرنساويون في أرض مصر ما دامت طريق إنكلترا إلى الهند!
ليس للمصريين في أي وقت من الأوقات، ولا في أي زمان من الأزمان، مصلحة ما في الثورات والاضطرابات؛ لأنهم في حال خاصة لا يفيدهم فيه غليان العواطف ، واضطرابات المشاعر القومية، في القلاقل التي لا يستفيد منها غير الأجنبي ... وتاريخ القرن التاسع عشر، الذي كانت هذه الحوادث التاريخية فاتحته في مصر، يشهد بذلك، وإن صحت أو لزمت الثورات لتطهير جسم أمة من الأمم في أوروبا مثلا، أو لقلب حكومة من حكوماتها، أو نظام من نظاماتها فلأنها أمم مستقلة بذاتها، فدورانها حول نفسها، وشرها لها، وخيرها لها، وأما في مصر، فكل اضطراب في جسم الأمة يعود عليها بالنكال، وعلى المصريين أن يضعوا هذه الحقيقة دائما نصب أعينهم ولا تخدعهم الظواهر، فقد كفاهم من التاريخ موعظة، وليستفيدوا من سكوتهم، وليتركوا المتنافسين وشأنهم، فذلك أسلم لهم، اللهم إلا إذا اشتد ساعدهم وقوي بأسهم - وبينهم وبين ذلك أمد بعيد، وسفر طويل - فلهم أن يسيروا على السنن الطبيعية للأمم ... ليحرص المصريون وليبتعدوا عن الوقوع في حبائل المحركين لعواطفهم، وليلازموا السكينة ولا يمكنوا أعداءهم من صدهم وتعويقهم عن السير المضمون في طريق الحضارة الصحيحة والعلم النافع، والاستفادة من ظروف الزمان والمكان، فإن لم نكن فجرة أقوياء، فلنكن بررة أتقياء، حتى يحكم الله بأمر من عنده وهو خير الحاكمين.
يقول الكتاب الفرنساويون: إنهم قهروا المماليك في واقعة إمبابة وقهروا المصريين في ثورة القاهرة؛ ذلك أن المصريين بعد أن رأوا من قوة الفرنساويين ما رأوا أظهروا المذلة والمسكنة، وحاموا حول الفاتحين يتطلبون منهم العفو والمغفرة، وأكثر الكثيرون منهم التزلف والتملق والصغار كعادتهم، التي أورثتهم إياها الاستعباد والاستبداد ... وهذا المعلم نقولا الترك يقول: «وقد خسرت الإسلام، ولم تربح بهذا القيام، سوى الذل والإهانة، وافتضاح جامع الديانة.»
Bog aan la aqoon