Nakabat
النكبات: خلاصة تاريخ سورية منذ العهد الأول بعد الطوفان إلى عهد الجمهورية بلبنان
Noocyada
عاد أرباب النفوذ والإقطاعات - هم الحكام الوطنيون! - إلى سالف مجدهم وشرورهم، واستخدمت الدولة الدروز منهم لتنفيذ مآربها، بل للأخذ بثأرها، فكانت تنزع السلاح ممن تروم تذبيحهم في هذا السبيل. إذن ليس بعجيب أن تتلو المذابح مثل هذه الحال، فقد كانت سنة 1845 مقدمة للسنة الستين، وكان انتصار الموارنة لإبراهيم السبب الأول في المذابح، التي حدثت بعد جلائه بخمس سنين، فأعمل الدروز سيف الدولة برقابهم، ودخل جنود الدولة الجبل مفحشين. أتساعدون إبراهيم عدو الدولة وأنتم من رعاياها؟!
روي عن قنصل إنكلترة ببيروت أنه قال: «يوجد في سورية آفتان كبيرتان؛ هما: المسيحيون والدروز، فكلما ذبح أحدهما الآخر، استفادت الحكومة العثمانية.»
ولكني أعتقد وأتيقن - وقد جئتك بالبرهان القاطع - أنه لو لم يحارب الموارنة مع إبراهيم باشا لما كانت مذابح سنة 1845، ولولا هذه المذابح لما كانت «سنة الستين». لله من تاريخ هو سلسلة من الانتقامات!
وهاكم ساسة أوروبة يبادرون إلى حماية نصارى الشرق، وفي رأس الحماية تجارتهم (أي تجارة الأوروبيين) ومصالحهم السياسية والاقتصادية.
فتبع المذابح في لبنان خمسون سنة من الامتيازات؛ امتيازات القناصل لا اللبنانيين. والأجدر بتلك الحكومة أن تدعى «حكومات القناصل»؛ قناصل الدول الحامية، أولئك القناصل الذين كانوا يلعبون بأعيان لبنان وبرؤسائه لعب الأكرة، ويستمتعون في لبنان بما يقصر دونه جاه السفراء بالآستانة، ويستثمرون ضغائن الطوائف ومطامع رؤسائها لمنفعتهم ومنفعة دولهم الخاصة.
وتلت حكومة القناصل حكومة الدستور العثماني، فقام في لبنان من يدعون للاشتراك بالدستور، ولإرسال مندوبين لبنانيين إلى البرلمان بالآستانة، فأبى اللبنانيون وكانوا على عادتهم تابعين عماوة لرؤسائهم وزعمائهم، الذين يؤثرون المصلحة الخاصة دائما على مصالح الوطن كلها.
رفض لبنان الاشتراك بالدستور، رفض التنازل عن امتيازاته وقناصله (وقد تنازل عنها بعد بضع عشرة سنة لدولة فرنسة، فأعطته بدلا منها جمهورية فخمة ضرائبها لا تعد).
وذهب الدستور العثماني مع الذاهبين، وظل ساسة الترك الاتحاديون والائتلافيون يذكرون اللبنانيين بالخير! فجاءت الحرب العظمى، وجاء الحصار، بل جاء الحساب؛ كانت المجاعة، وكان التجويع.
فلو كان لبنان دستوريا في ذاك الحين، هل كان خسر يا ترى أكثر من خسارته بعد زوال الدستور؟
إني أسألك سؤالا آخر: لو كان لبنان دستوريا في ذاك الحين، هل تظن أن جمالا كان فعل بأهله ما فعل؟
Bog aan la aqoon