Nakabat
النكبات: خلاصة تاريخ سورية منذ العهد الأول بعد الطوفان إلى عهد الجمهورية بلبنان
Noocyada
والعجيب في أمر أولئك الأمويين، الموصوفين بالنباهة والدهاء، والحكمة والذكاء، أن الفتن كانت تستمر في حمص ولبنان وفلسطين، وفي الشام نفسها، وهم غافلون أو مشتغلون عنها في محاربة الروم وفي الفتوحات.
وما الفائدة من الفتوحات للدولة، وليس بين العاصمة والبلدان المحتلة صلة عمران أو سيادة؟! ما الذي كان يربط القيروان مثلا بالشام؟!
من الهند إلى الأندلس! إنه لملك عظيم بعيد الأرجاء. وكيف كان الأمويون يحكمون تلك البلدان الشاسعة القصية يا ترى؟ الجواب أنهم لم يحكموها. فقد كان القائد العربي يفتح البلاد ويتولاها باسم الخليفة، دون أن يراجعه في أكثر الأمور. وكثيرا ما كان أولئك القواد يتصرفون بالأموال وبالرجال كيفما شاءوا؛ مثال ذلك عمرو بن العاص في مصر، والحجاج بن يوسف في العراق.
وكان الخليفة بدمشق راضيا بأن يذكر اسمه في الخطبة بالقاهرة أو بالقيروان، وإذا جاءه منها بعض الخراج فنعمة كريم.
أجل، قد كان الأمويون يهتمون للبعيد غير المثمر إلا مجدا، ويهملون القريب وفيه الصالح الأكبر أو الخطر الأشد.
أما العدل في الرعية، العدل الذي هو أساس الملك، فهو ينعكس من الجالس على العرش. وقد عرفت أرباب العرش وفيهم العاجز والسفيه والخليع والسكير والظالم. وهاك شهادة أخرى من واحد من أهل هذا البيت:
سئل أحد شيوخ بني أمية بعد زوال الملك عنهم: ما كان سبب زوال ملككم؟ فقال: جار عمالنا على رعيتنا، فتمنوا الراحة منا، وتحومل على أهل خراجنا فتخلوا عنا، وخربت ضياعنا فخربت بيوت أموالنا، ووثقنا بوزرائنا فآثروا مرافقهم على منافعنا، وأمضوا أمورا دوننا أخفوا علمها عنا، وتأخر عطاء جندنا فزالت طاعتهم لنا، واستدعاهم عدونا فظاهروه على حربنا.
هذي هي الدولة التي تمدحون.
استولى الأمويون على الملك بخدعتين، في وقعة صفين وبعدها في التحكيم، فملكوا تسعين سنة. واستولى عليه العباسيون بمذبحة تلتها مذابح في سورية وفلسطين والعراق.
وعقبت المذابح الفوضى، وقد اقتدى أربابها بأبي العباس السفاح.
Bog aan la aqoon