Nakabat
النكبات: خلاصة تاريخ سورية منذ العهد الأول بعد الطوفان إلى عهد الجمهورية بلبنان
Noocyada
جاء عرب التوحيد من الحجاز - يوم كانت الدولة الرومانية لا تزال مشغولة بالمناقشات اللاهوتية، بالثالوث وبالمشيئة الواحدة والمشيئتين - وهم يكبرون ويهللون: الله أكبر! لا إله إلا الله! جاءوا باسم الله الواحد فاتحين، وهم يحملون الكتاب والرمح، ووصايا أبي بكر العشر في القتال.
لا تغدر، لا تمثل، لا تقتل هرما ولا امرأة ولا وليدا، لا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا ما أكلتم، لا تحرقن نخلا، لا تخربن عامرا، لا تغل (الغلول الخيانة في المغنم)، لا تجبن.
إن مثل هذه الوصايا لجميل في كل زمان ومكان إذا عمل به، ولا شك أن العرب كانوا أرحم ممن سبقهم من الفاتحين وأعدل بالناس. ولا شك أن العصبيات، التي تحول دائما دون العدل والرحمة، كانت في تلك الأيام أشد مما هي اليوم، فلم يتغلب الإسلام عليها كلها.
مما هو جدير بالذكر أن عسكر هرقل الذي حارب وانكسر في وقعة اليرموك في السنة الثانية عشرة للهجرة (634م)، كان فيه ألوف من العرب - من لخم وجذام وقضاعة وغسان ومرة وتنوخ - ومن الأرمن أيضا!
سبحان المغير ولا يتغير، فها نحن في القرن العشرين وقد حارب الفرنج العرب ببعض العرب وبالأجانب من غير أوروبة - بالأرمن والشركس وعبيد السنغال في سورية، وبالهنود في العراق - حاربوا العرب المسلمين بجنود مسلمين من أمم إسلامية تحمل باطلا اسم الإسلام.
وكان الفضل الأكبر في ذلك الفتح العربي الإسلامي، أن استعربت الشعوب السورية، وصارت العربية لسان أهل البلاد.
إنه لأسهل على الشعوب أن يغيروا لسانهم من أن يغيروا تقاليدهم وأخلاقهم، فقد تعاقبت على هذه البلاد اللغات الفينيقية والحثية والعبرانية والسريانية والآرامية واليونانية واللاتينية، ثم جاءت العربية تحل محلها كلها.
وكان الفضل في نشر العربية في البلاد السورية راجعا أولا للوثنيين من العرب، ثم للمسيحيين قبل الفتح الإسلامي. ولا يزال المسيحي عاملا في سبيل هذه اللغة في سورية ومصر والعراق، حتى وفي ما وراء البحار - في العالم الجديد.
ولكن اللغة وحدها لا توحد العناصر، ولا تتغلب على العصبيات. كان اللخمي والأزدي واحدا في العربية، ولكن العصبية ظلت مستحوذة على الاثنين، وصارا فوق ذلك يتعصبان لأسيادهما الأجانب، الواحد للفرس والثاني للرومان.
ولا الدين، وإن كان دين التوحيد، يساعد في تحقيق الوحدة العنصرية والقومية. كان القيسي واليماني واحدا في الإسلام، وظلا في العصبية المفككة لأوصال الوطن قيسيا ويمانيا، ناهيك بالدول الإسلامية المتعددة التي قامت بعضها على بعض، وشيدت بعضها على أنقاض بعض، باسم العصبية؛ تلك العصبية التي كانت السبب الأول والأكبر في سقوطها كلها.
Bog aan la aqoon