226

ويخصه من بيان امتناع أن يقصد وجود الكل عنه أن ذلك يؤدي إلى تكثر ذاته. فإنه حينئذ يكون فيه شيء بسببه يقصد وهو معرفته وعلمه بوجوب القصد أو استحبابه أو خيرية فيه توجب ذلك ثم قصد ثم فائدة يفيدها إياه القصد على ما أوضحنا قبل وهذا محال وليس كون الكل عنه على سبيل الطبع بأن يكون وجود الكل عنه لا بمعرفة ولا رضا منه وكيف يصح هذا وهو عقل محض يعقل ذاته فيجب أن يعقل أنه يلزم وجود الكل عنه لأنه لا يعقل ذاته إلا عقلا محضا ومبدأ أولا وإنما يعقل وجود الكل عنه على أنه مبدؤه وليس في ذاته مانع أو كاره لصدور الكل عنه وذاته عالمة بأن كماله وعلوه بحيث يفيض عنه الخير وأن ذلك من لوازم جلالته المعشوقة له لذاتها وكل ذات يعلم ما يصدر عنه ولا يخالطه معاوقة ما بل يكون على ما أوضحناه فإنه راض بما يكون عنه فالأول راض بفيضان الكل عنه ولكن الحق الأول إنما عقله الأول وبالذات أنه يعقل ذاته التي هي لذاتها مبدأ لنظام الخير في الوجود فهو عاقل لنظام الخير في الوجود كيف ينبغي أن يكون لا عقلا خارجا عن القوة إلى الفعل ولا عقلا متنقلا من معقول إلى معقول فإن ذاته بريئة عما بالقوة من كل وجه على ما أوضحنا قبل بل عقلا واحدا معا ويلزم ما يعقله من نظام الخير في الوجود إذ يعقل أنه كيف يمكن. وكيف يكون أفضل ما يكون أن يحصل وجود الكل على مقتضى معقوله فإن الحقيقة المعقولة عنده هي بعينها على ما علمت علم وقدرة وإرادة - وأما نحن فنحتاج في تنفيذ ما نتصوره إلى قصد وإلى حركة وإرادة حتى يوجد وهو لا يحسن فيه ذلك ولا يصح لبراءته عن الاثنينية على ما أطنبنا في بيانه فنعقله علة للوجود على ما يعقله ووجود ما يوجد عنه على سبيل لزوم لوجوده وتبع لوجوده لا أن وجوده لأجل وجوده شيء آخر غيره وهو فاعل الكل بمعنى أنه الموجود الذي يفيض عنه كل وجود فيضا تاما مباينا لذاته ولأن كون ما تكون عن الأول إنما هو على سبيل اللزوم إذ صح أن الواجب الوجود بذاته واجب الوجود من جميع جهاته. وفرغنا من بيان هذا العرض قبل فلا يجوز أن يكون أول الموجودات عنه وهي المبدعات كثيرة لا بالعدد ولا بالانقسام إلى مادة وصورة لأنه يكون لزوم ما يلزم عنه هو لذاته لا لشيء آخر والجهة والحكم الذي في ذاته الذي منه يلزم هذا الشيء ليست الجهة والحكم الذي يلزم عنه لا هذا الشيء بل غيره فإن لزم منه شيئان متباينان بالقوام أو شيئان متباينان يكون منهما شيء واحد مثل مادة وصورة لزوما معا فإنما يلزمان عن جهتين مختلفتين في ذاته وتانك الجهتان إذا كانت لا في ذاته بل لازمتين لذاته فالسؤال في لزومهما ثابت حتى يكونا في

Bogga 226