156

جوهرها والبرهان الذي يوجب أن كل كائن فاسد من جهة تناهي قوتي البقاء والبطلان إنما يوجب فيما كونه من مادة وصورة ويكون في المادة قوة أن تبقى فيه هذه الصورة وقوة أن تفسد هي فيه مما فقد بان إذا أن النفس البتة لا تفسد - وإلى هذا سقنا كلامنا - وهذا ما أردناه.

فصل في بطلان القول بالتناسخ

وقد أوضحنا أن الأنفس إنما حدثت وتكثرت مع تهيؤ الأبدان على أن تهيؤ الأبدان يوجب أن يقتضي وجود النفس لها من العلل المفارقة وظهر من ذلك أن هذا لا يكون على سبيل الاتفاق والبخت حتى يكون ليس وجود النفس الحادثة لاستحقاق هذا المزاج نفسا تدبره حادثة ولكن كان يوجد نفس واتفق أن وجد معه بدن فحينئذ لا يكون للتكثر علة ذاتية البتة بل عرضية: وقد عرفنا أن العلل الذاتية هي أولا ثم العرضية فإذا كان كذلك فكل بدن يستحق مع حدوث مزاجه حدوث نفس له وليس بدن يستحقه وبدن لا يستحقه إذ أشخاص الأنواع لا تختلف في الأمور التي بها تتقوم - فإذا فرضنا نفسا تناسختها أبدان وكل بدن فإنه ذاته يستحق نفسا تحدث له وتتعلق به فيكون البدن الواحد فيه نفسان معا - ثم العلاقة بين النفس والبدن ليس هي على سبيل الانطباع فيه كما قلنا بل علاقة الاشتغال به حتى تشعر النفس بذلك البدن وينفعل البدن عن تلك النفس وكل حيوان فإنه يستشعر نفسه نفسا واحدة هي المصرفة والمدبرة فإن كان هناك نفس أخرى لا يشعر الحيوان بها ولا هي بنفسها ولا تشتغل بالبدن فلس لها علاقة مع البدن لأن العلاقة لم تكن إلا بهذا النحو فلا يكون تناسخ بوجه من الوجوه - وبهذا المقدار لمن أراد الاختصار كفاية بعدان فيه كلاما طويلا.

Bogga 156