نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي
حسن بن فرحان المالكي [1 ]
Bogga 1
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الرياض نحو إنقاذ التاريخ الاسلامي (قراءة نقدية لنماذج من الاعمال والدراسات الجامعية) حسن بن فرحان المالكي [2 ]
Bogga 1
مؤسسة اليمامة الصحفية، 1418 ه [3 ]
Bogga 2
42 الرياض [5 ]
Bogga 3
اهداء قيل (رب أخ لك لم تلده أمك) ويمكن أن نقول: (رب أستاذ لك لم تسمع منه أيام الطلب ولم تلحظه عيناك في قاعات الدراسة). إلى من رأيت في أبحاثه قوة المنهج ووضوح الهدف إلى من قرأت له واستطعت أن أقول باطمئنان وثقة: الان وجدت (المورخ) ! ! وجدت الذي ينشد الحقيقة ! ! وجدت الذي يصدع بالحقيقة ! ! للعلم ! ! للتاريخ ! ! للحقيقة ! ! إلى أستاذي الدكتور / عبد العزيز بن صالح الهلابي أهدي له هذا العمل المتواضع. تلميذك حسن بن فرحان المالكي [6 ]
Bogga 5
مقدمة التاريخ الاسلامي لا يجهل المسلمون أهميته، وان اختلفوا في قراءته، وكتابته، وبحثه، وتصنيفه، وتقييمه، فمنه يستمد المسلمون العبر والدروس، داليه يرجعون عند تفسير أسباب النصر وعوامل الاخفاق، لانه الارضية ؟ التي كان الاسلام في عصوره الزاهرة مبنيا عليها، وكان التاريخ أيضا المرآه، التي تعكس واقع المسلمين. لكن التاريخ الاسلامي ل ! ابتلي بكثير من أبنائه ل ! الذين لم يفهموا الاهداف الحقيقية من دراسته، ولم يقفوا على جواهر فوائده، ولم يعرفوا المنهج الصحيح في الاستفادة منه، تلك الاستفادة التي تتصاحب فيها معرفة الاخطاء وبدايات الانحراف مع معرفة الايجابيات وجوانب الاشراق. التاريخ الاسلامي مبتلى بأعدائه، الذين يعممون الخاص، ويخصصون السائد، وينشرون المثالب الظالمة في ثياب عدل وتحقي ! !. التاريخ الاسلامي مبتلى بكثير من الصالحين، الذين يجمعون بين العاطفة الصادقة والجهل المركب، وقديما قال بعفى السلف (لم نر الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث) ! ! ويقصد القائل ذلك الصلاح (العاطفي) الذي لم يتسلح بسلاح العلم فانطلت على هؤلاء الصالحين أكاذيب [7 ]
Bogga 6
الكذابين وأخطاء الجاهلين وأوهام النقلة فأصبحوا يرددونها وتجري بها ألسنتهم وهم لا يعرفون أنها أباطيل ! ! ولا يهتدون لمواطن الضعف فيها ! ! منخدعين بشيوعها وانتشارها ! !، محسنين الظن بكل ما سمعوا ! ! التاريخ الاسلامي مبتلى ببعفى العلماء، الذين يجازفون بإصدار الاحكام المستعجلة، حول الاحداث، والمواقف، والشخصيات، والنتائج، متناسين الطريقة الصحيحة والمثلى، في البحث عن الحقيقة، ذلك البحث الذي يحترم العلم، ويلتزم النقل الصحيح، ويحترم العقل، ولا يهمل الاستيفاء في جمع شتات المادة، العلمية، من مختلف المصادر. ثم يتبع ذلك بتصنيف هذه المادة، من حيث القبول والرد ذلك التصنيف، الذي يبحر في مناهج المحدثين وأهل العلم من محدثين وأصوليين ومؤرخين، ويغوص في دلائل القواعد والالفاظ، ويستوعب الاقوال في الراوي الواحد، ثم يجتهد في معرفة القول الصحيح، المتفق مع سبر مرويات الراوي وأحاديثه، وما يتفق معها من مرويات الاخرين ثم وزن ذلك بميزان العدل فلا هضم لجوانب الخير ولا مجاملة لنوازع الشر.
Bogga 7
[8 ]
ثم ياتي بعد ذلك مرحلة التحليل والاستنتاجات، وجمع ملخص المادة ومتفرقات المعرفة، وتقديم هذا كله ليسهم في تصحيح معرفتنا بهذا التاريخ، ثم تنمية هذه المعرفة وزيادتها ومتابعتها ونقدها، لتسهم هذه المعرفة بدورها في علاج مشاكلنا المعاصرة، ونسترشد بها في استشراف المستقبل، وبالتالي وضع الحلول (الوقائية) للقضايا والمشكلات المتوقعة. التاريخ الاسلامي بحاجة إلى أن نحسن استخدام العلم، ذلك العلم الذي يهدي إلى الحق، ويوصل إليه، وليس ذلك العلم الذي تسيره العواطف ! ! وتراكمات الاخطاء والظنون ! ! وتجره ردود الافعال غير المدروسة ولا المسؤولة، لاتخاذ مواقف متشنجة، تقلب الحقائق من أجل ارضاء أناس أو اغضاب آخرين، وتلوي أعناق الادلة، وتجمع الاضداد، وتخضع المسلمات، وتفرق بين الامور المتفقة ؟ من أجل الثبات على موقف خاطئ أو الحصول على ثناء جاهل. فمثل هذه الامراضى البحثية لها أكبر الاثر في ضعف رؤيتنا للتاريخ الاسلامي وسوء فهمثا لحقائقه وعبره ودروسه !. التاريخ الاسلامي مبتلى بعدم معرفتنا للاهداف الكبرى [9 ]
Bogga 8
من دراسته، مبتلى بالطريقة العشوائية في البحث، والطريقة الظالمة في الحكم. التاريخ الاسلامي مبتلى بالجهود المشتتة التي كان من نتائجها المحزنة تلك التناقضات الكبيرة التي لا تخدم حقائق التاريخ الاسلامي. التارخ الاسلامي مبتلى بمثل هذه المصائب وأكثر، عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله، ولذلك لابد من التقاء الهموم لانقاذ هذا التاريخ وإخراجه من هذه العوائق والمصائب (البحثية) التي تحول قطعأ دون الاستفادة التي نرجوها منه. ولهذا كله فإن التاريخ الاسلامي بحاجة إلى قراء يحسنون القراءة، وإلى باحثين يحسنون البحث، والى عادلين يحسنون الحكم، وإلى تنسيق بين الجهود وإلى شعور بأن هذا التاريخ مسئولية الامة، ولا ينبغي أن يخضع للانطباعات الخاصة، والرؤى الذاتية، ثم إن هذا العصر أصبح عصر تنسيق وتعاون واتصالات علمية، ومن الخطأ ألا نستفيد من هذه الايجابيات المساعدة على تحقيق النتائج السريعة والعميقة في الوقت نفسه. التاريخ الاسلامي بحاجة إلى شجاعة غيورة تطرح [10 ]
Bogga 9
الحقائق ولا تخشى في سبيلها عتاب الاصدقاء ولا كيد الاعداء ولا الطعن في الاهداف والمقاصد. التاريخ الاسلامي لا يريد منا خلاف ما تريده الحقيقة في شمولها وقوتها في سموها وجوهرها. التاريخ الاسلامي لا يريد منا أن نسير وراء العاطفة ونلبس الباطل لباس الحق. التاريخ الاسلامي لا يريد منا أن نتشنج في ردود الافعال ونظلم في اصدار الاحكام. التاريخ الاسلامي لا يريد منا أن نتهم الابرياء كما لا يرتضي منا أن نبرئ المذنبين ولا نجامل الرجال على حساب الشرع والحقيقة. التاريخ الاسلامي لا يريد منا أن نتشبث في خطاء الدارسين، ولا رواسب التعصبات. التاريخ الاسلامي يريد منا أن نجرده من ملونات الازمنة والامكنة التي لا تتفق مع الحقائق. التاريخ الاسلامي يريد قلوبا نظيفة، وأهدافا سامية، وعزائم صادقة، وقوة في البحث، وتطبيقا حقيقيا للنظريات، ذلك التطبيق الشامل، وليس التطبيق الاعور، الذي نتغنى به في مواطن ونحاربه في مواطن مشابهة ! !
Bogga 10
[11 ]
التاريخ الاسلامي يحتاج رجالا همهم العلم لا الشهادات والوظائف، فوظيفة المؤرخ هي التاريخ ثفسه كما ان وظيفة العالم هو العلم نفسه. ! التاريخ الاسلاهي يريد منا أن نترك المجاملات، ونبين بوضوح الاهداف الحقيقية من دراسته، ولا نضحك على انقسنا ولا الاخرين. التاريخ الاسلامي بحاجة إلى أن نضع لدراسته منهجا يحمينا من التناقضات ! !، إلى منهج يعلمنا كيف نصل إلى الحقيقة ! !، إلى منهج يعلمنا كيف نحمي الحقيقة ! ! إلى منهج يجبرنا على اتباع الحقيقة ! ! إلى منهج يعلمنا كيف نحمي التاريخ من أنفسنا وأهوائنا وأمراضنا ! ! إلى منهج يضبط مواقفنا وردود أفعالناة ! ! جإن حاولنا أن نحقق كل هذا، استطعنا أن نزعم اننا نسير (نحو إنقاذ التاريخ الاسلامي) ! ! ومن هذا المنطلق جاءت مقالاتنا في صحيفة (الرياض) محاولة من المحاولات التي تهدف إلى نقد (سلبيات البحث) [12 ]
Bogga 11
في التاريخ الاسلامي ويبقى هذا العمل خاضعا للنقد والمناقشة والحوار المتواصل أملا في اكتمال جوانبه ليسهم في التصحيح المأمول. ومن هذا المنطلق أيضا، كان حوارنا مع بعض الاخوة الفضلاء، من الاساتذة الاكاديميين، أو طلاب الدراسات العليا، ولم يكن الحوار مع غيرهم من عموم المؤلفين، ايمانا منا بأن المشاركة في إصلاح القمة، كفيل باصلاح القاعدة، وإن كانت القاعدة لا تخلو من خير أما إن بقيت أقسام التاريخ، تنتج تلك الانتاجات، التي تفتقد الخطوات الصحيحة، فإن هذا يدعو للقلق الشديد. وأنا لا أزعم أن تلد الدراسات متساوية من حيث اتباع المنهج الصحيح من عدمه، فهناك دراسات رائدة، يشهد لنزاهتها وعلميتها كل منصف يعلم الحقيقة، وهناك دراسات قريبة من هذه الريادة لكن الاغلب مما قرأناه من هذه الرسائل والدراسات التاريخية فيه من العيوب السابق ذكرها النصيب الاوفر، نتيجة للمفاهيم الخاطئة أو طرق البحث القاصرة، فلهذا جاءت ضرورة مثل هذا النقد الذي نرجو أن يسهم في تصحيح تلك السلبيات المستقرة في بحوث ودراسات كثير من دارسي التاريخ الاسلامي، كما نرجو أن تتنبه أقسام التاريخ إلى ضرورة (المراجعة) [13 ]
Bogga 12
و(النقد الذاتي) وتشجيع ذلك حتى لا يأتي يوم تكون فيه الدراسات من دلائل (الجهل) وعلامات (التخبط العلمي) الذي نعيشه في هذه المرحلة الزمنية. وليعذرني الاخوة الذين كان الحوار معهم في هذا الكتاب فقد تقسو عبارة ويشتط أسلوب وتند كلمة وما هذا كله إلا من باب الحرمى على هذا العلم الشريف مع سلامة النية والمقصد ومحبة الخير لي ولهم وفق الله الجميع وسدد خطاهم. كما أود التنبيه أنه قد تم في هذا الكتاب تصحيح الاخطاء الطباعية وإيراد بعض الاستدراكات القليلة والتفصيلات اليسيرة في بعض المسائل التي رأينا أنها تحتاج لذلك. وفي الختام لا يسعني إلا أن أشكر مؤسسة اليمامة الصحفية وصحيفة " الريافى " على وجه الخصومى لتبنيهم إصدار هذا الكتاب الشهري وحرصهم على حفظ الاعمال الكتابية لكتابهم من الضياع وايصالها إلى عموم المستفيدين لتكتمل الفائدة وتتحقق الاهداف. ونسعى جميعا لتاصيل المعرفة وإنمائها، نسأل الله أن يوفقنا لما فيه خير ديننا وأمتنا وتاريخنا. بقلم: حسن بن فرحان المالكى [16 ]
Bogga 13
الفصل الاول أنقضوا التاريخ الاسلامي ! ! حوار مع الدكتور عبد
الحليم عويس والاستاذ المؤرخ محمود شاكر [17 ]
Bogga 16
يا أصاب الحديت: انقذوا التاريخ الاسلامي ! * لا تنقذوه من تلفيقات المستشرقين وأذنابهم من المستغربين بل من بعض المؤرخين الاسلاميين الذين دخلوا ميدان التحقيق العلمي للتاريخ بلا سلاح ورفعوا لواء (إعادة كتابة التاريخ الاسلامي) وهم يفتقدون أبسط أركان التحقيق العلمي. يا علماء الحديث: لقد سئمنا من الردود على المؤرخين المستغربين الذين يؤرخون بأقلامهم ما تمليه أهواؤهم وعقولهم فان هؤلاء - المستغربين - لن يجدوا عند المسلمين إلا آذانا صماء وأعينا عمياء، والقارئ المسلم الواعي لن ينجرف في تياراتهم ولن تخدعه ترهاتهم فقد طويت دونهم الكشوح منذ زمن فلم تعد أباطيلهم تنطلي على أحد ولا تستميل ذا لمب.
Bogga 17
[18 ]
ولكن الانكى والامر عندما (يؤتى من مأمنه الحذر) فقد نشأ في زمننا الحاضر كثير من المؤرخين الاسلاميين الذين يريدون تنقية تاريخنا الاسلامي من الشوائب، فأتوا بالعجائب ! ! وطمسوا الحقائق، وأدخلوا أنفسهم في علم الحديث تصحيحا وتضعيفا ! ! وضعفوا الثقات، ووثقوا الهالكين، وأحجموا أنفسهم بين رفض النقل، وتحكيم العقل، وفتحوا بذلك شرخا عميقا في منهج أهل الحديث - ولهذا جئت مستنجدا - فإن لم يتدارك هذا الامر أهل الاختصاص فسيؤول بنا الامر إلى رفض المؤرخين العقلانيين (ومن سار في ركبهم) للمنهج الذي وصلنا عن طريقه كتاب الله وسنة رسوله " صلى الله عليه وسلم وقد بدت بوادر هذه المجازفات فرأينا في هذه الايام من الاساتذة المؤرخين أو تلاميذهم من يتلاعبون بتاريخنا الاسلامي، فيصححون الضعيف، ويضعفون المغواتر ! ! لان العقل - بزعمهم - يعقل هذا ولا يعقل ذاك، مع ادعائهم بأنهم رجال ثغور التاريخ، وأنه يقع على عواتقهم تنقية هذا التاربخ ! ! وإعادة كتابته وتصحيحه وإخراجه (خالصا سائغا للشاربين) ! ! لى إذا حاولت أن تبحث عن منهجهم وجدته (يعقل، ولا يعقل) و(ممكن، ولا أظن) ! ! يبدأون تحقيقاتهم ب (لست أدري، ومما يخيل إلي) لكنهم ينتهون ب (من المؤكد) وبفعلهم هذا يكونون قد هدموا ما بناه المحدثون منذ القرون الاولى مع أنهم - (المؤرخون) - يتفقون نظريا مع أهل الحديث في أن (أفضل منهج لكتابة التاريخ الاسلامي هو منهج أهل الجرح والتعديل وأن هذا المنهج هو المعيار الحقيقي [19 ]
Bogga 18
لقبول الخبر أو رده) ! !. وهذه حقيقة لا جدال فيها ولا يشك فيها منصف، لكن المؤرخين الاسلاميين هم أبعد الناس عن هذا المنهج عن التطبيق العملي الواقعي - مع اعترافهم بالمنهج نظريا ! ! - ومؤلفاتهم شاهدة تنضح بما ذكرت من تناقضاتهم، فهم يدعون إلى تطبيق منهج المحدثين، وبدعوتهم هذه يكونون قد جعلوا على مؤلفاتهم صبغة أهل الحديث ظاهريا ! ! بينما الحق والواقع يقرران أن هذه المؤلفات يتمشى الزور في مناكبها والباطل في جوانبها، لا ترفع حجابا من باطل، ولا تملك اقناعا لسائل، وسأكشف لكم الغماء فليس المقام مقام خطابة بل مقام تحقيق وتنقيب، حتى يبين الصبح لذي عينين، وسأضرب مثالا على أقوالي السابقة - حتى لا نتحدث في فراغ - وسأذكر بعض الملاحظات على إثنين من المؤرخين الاسلاميين الذين قد سبق لي أن تحاورت معهما ولهما في قلبي الحب والتقدير الاخوي ولكن هذا لا يمنع من النقد البناء الموثق حتى نصل إلى المستوى المأمول والى المنهج السديد في تنقية وكتابة التاريخ الاسلامي، بلا تحيز ولا دفع بالصدر وسترون - إخواني القراء - مقدار الهوة السحيقة بين النظرية التي ينادون بها ويدعون إليها بالحاح والتطبيق العملي عند كتاباتهم في التاريخ الاسلامي، والمؤرخان اللذان سيكون الحوار معهما هنا هما الدكتور الفاضل / عبد الحليم عويس والاستاذ المؤرخ محمود شاكر وكلاهما أشهر من نار على علم. وسأبدأ بالحوار مع الدكتور عبد الحليم عويس وننظر جميعا مدى الاتفاق والاختلاف بين نظريته وتطبيقه.
Bogga 19
[20 ]
يقول الدكتور في كتابه (بنو أمية): " وقد أغفل كثير من المؤرخين كتب المحدثين والفقهاء من أمثال الصحاح الستة وكتب أئمة المذاهب الاربعة وكتب الفقهاء.. الخ ". وقد قال هذا في معرض انتقاده للمؤرخين وقال في صحيفة مراة الجامعة عدد 110: " لكن نقطة الخلاف الرئيسية بيننا وبين الدكتور فتحي عثمان أنه يكاد (وأقول يكاد) يغلب العقل على النص في بعض المواطن النصية وهو بالتالي يعطي العقل مساحة تمتد على حساب النص " ! !. وكلامه في الفقرتين السابقتين يمثل الجانب النظري عند الدكتور في أنه (يجب ألا تغفل كتب المحدثين والفقهاء) كما (لا يجوز تغليب العقل على النقل) عند الكتابة في التاريخ الاسلامي ! !. وهذا كلام نظري صحيح - وان لم يكن بجديد - ومع أنه صادق في اتهام المؤرخين أو اكثرهم بإغفال هذه الاصول وتغليب العقل على النص إلا أني تمنيت لو أنه لم يتبعهم في إغفال تلك المصادر والكتب مع الروايات الصحيحة، والدكتور - عفا الله عنه - قد أوهم القارئ - أو يظهر من كلامه - أنه (لا يغفل الصحاح الستة) ! ! وأمثالها و(لا يعطي العقل مساحة على حساب النص) ! ! وسنرى الان مدى التزامه بكلامه النظري السابق: خذ مثالا واحدا فقط وهو ما ذكره في مرآة الجامعة، العدد السابق نفسه عندما قال بالحرف الواحد: (فلا يعقل قبول ما يشاع عن بني امية من أنهم كانوا يسبون عليا كرم الله وجهه على المنابر لان ذلك يتنافي مع طبيعة البيئة الاسلامية... الخ اه.
Bogga 20
[21 ]
فانتم ترون أنه هنا يتحاكم إلى العقل ولم يبحث عن النص في الصحاح الستة ! ! وكتب المحدثين والفقهاء ! ! التي أغفلت من بعض المؤرخين ! !، ولو رجع إلى بعض منها لوجد في اكثرها ما يخالف قوله أو نفيه السابق، وحتى لا يكون اتهامي له أو ردي عليه عائما فتعال معي أخي القارئ لنفتش في الكتب الستة ! ! وبعض كتب المحدثين والفقهاء ! ! حتى لا نتهم باغفالها ولا نغفلها كما أغفلها الدكتور ! ! لنرى الحق الذي فيها هل يتوافق مع قوله السابق أم لا في هذه القضية: 1 - صحيح البخاري - وأظنه من الكتب الستة ! ! مع شرح فتح الباري (7 / 70) نجد فيه حديثا (عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أن رجلا دعا سهل بن سعد فقال: هذا فلان أمير المدينة يدعوه عليا عند المنبر).. الحديث وفسر ابن حجر هذا القول برواية أخرى عند الطبراني من وجه آخر عن عبد العزيز نفسه، وهي (يدعوك لتسب عليا ! !. وهذا السبب صريح في حديث مسلم الاتي: 2 - صحيح مسلم (7 / 124) - وهو من الكتب الستة ! ! (عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: استعمل على المدينة رجل من آل مروان قال (أبو حازم): فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم عليا قال: فابى سهل فقال له (الامير) أما إذا أبيت فقل لعن الله أبا التراب ! ! !، فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي التراب، وما سماه إلا النبي [22 ]
Bogga 21
صلى الله عليه وسلم... الحديث. أقول: فهذا صحيح مسلم يفسر رواية البخاري - وكلاهما من الكتب الستة - بأن والي المدينة وهو مروان بن الحكم في زمن معاوية كان يسب ويأمر بسب علي على المنابر، هذه حقيقة تاريخية ثابتة ! !. فأين التزام الدكتور بالنقل الصحيح ! ! فلابد من قبول الحق وإن كان مرا، فأنا لا يهمني ثبوت التهمة ضد بني أمية أو غيرهم، ولا يهمني نفيها، بقدر ما يهمني حماية المنهج - منهج كتابة التاريخ الاسلامي - وتبرئته من الخلل الذي قد يصيبه بتحكيم العقل بعيدا عن النقل الصحيح. والمؤرخون يخلطون - غالبا - بين (ما وقع على الحقيقة) و(ما يجب أن يكون) ! ! وهناك فرق بين (ما نحب) و(ما حصل فعلا) فليس التاريخ رواية مسرحية خيالية نشكلها كما نريد ! ! بل من كمال وصدق وموضوعية التاريخ الاسلامي أن نذكر الحق ولا نجامل فيه أحدا وقد سألت شيخنا العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله - وهو من كبار المحدثين في عصرنا الحاضر - عن هذه الرواية في مسلم وهل تدل على أن بني أمية كانوا يسبون عليا ؟ ! فقال: (هذا ليس بعيدا عن مروان وغيره، وهذه من الزلات نسأل الله العافية ! إ). أ. ه. إذا فالشيخ لم يقل (لا يعقل) إ ! لانه إن صح النقل وجب على العقل قبول مقتضاه أما إذا فتحنا الابواب للعقول والاهواء والتشهي فستأتي على الاخضر واليابس وما أسهل كلمة (لا يعقل) [23 ]
Bogga 22